×
محافظة المدينة المنورة

ضربات القوات الجوية السعودية ضد «داعش» امتداد لمشاركاتها في الحروب والقضايا العربية

صورة الخبر

المقدمة، هي العقبة الأكبر التي أواجهها كلما أردت كتابة أي موضوع، وفي هذا الموضوع مثلا أجدني محتارا، هل أبدأ الخطاب بالسلام أم بالتحية؟ أم أبدؤه بلا سلام ولا تحية؟ تفكرت وتدبرت فقررت البدء في الموضوع بلا سلام ولا تحية.. عزيزي "جون كيري" بداية نشكرك على تجشمك عناء السفر؛ من أجل إعادة أمور المنطقة إلى نصابها، ورغم أننا لا نعلم ما نصابها، لكن وجب تقديم الشكر وإن جهلا. لقد تحدثتم موضحين أن تكلفة ضرب "داعش" 500 مليار دولار، وهو مبلغ بشهادة الخبراء مبالغ فيه، وإننا لو قمنا بقسمة المبلغ على عدد أفراد "داعش" البالغين بحسب أعلى التقديرات بين 20 و30 ألف مقاتل ستصل بنا النتيجة إلى أن قيمة القضاء على الفرد الواحد من "داعش" تعادل 25 مليون دولار تقريبا! رغم كل هذا المبلغ، إلا أنه من السذاجة بمكان إحالة دافع الحرب إلى أسباب مادية بحتة. المال رغم أهميته إلا أنه ليس محور الحرب على "داعش"، وأميل إلى القول إن الدافع الأساس هو المسؤولية الأخلاقية، وهذا ما صرح به الشيخ الفاضل "أفيخاي أدرعي" الذي أفتى مغردا عبر حسابه بأن صحيح الإسلام بريء من أفعال التنظيمات المتطرفة. من هنا، يمكن استشفاف طبيعة الغاية، وأنها تتمثل في إعادة الوجه الجميل للإسلام، وهي غاية أخلاقية محمودة جميلة مطالبون بدعمها وتشجيعها، لكن ماذا عن إسرائيل مسقط رأس "أفيخاي"، هل أفعالها مستمدة مما جاء في ألواح موسى؟ أم هل يترأس أميركا حواريُ عيسى؟ أو ربما الحسن والحسين يُبارِكان أفعال إيران؟! إن كل مسلم راشد عاقل قادر على التمييز يعلم أن "داعش" تشوه صحيح الإسلام، وأنها تنظيم شيطاني لضرب الإسلام بالإسلام، هذا هو المفهوم السائد، والمسلمون يعممون هذا المفهوم تجاه كل تنظيم متطرف بلا استثناء، فيرون الجميع رؤيتهم لبعوض ينتشر ويتكاثر أينما وجد له مستنقعا آسنا، إلا أن الحقيقة التي لا تخفى على أحد أن النظام البيئي للمستنقع لا يتكون فقط من البعوض، فهنالك الذُباب والضفادع والأفاعي، في هذه الحالة فإن قتل البعوض سيضمن عدم اللسع مع استمرار النقيق واللدغ. العُقلاء دائما ينصحون بعدم قتل البعوض إنما بتجفيف المستنقع، بالتالي لن يجد البعوض ولا باقي الحشرات والبكتيريا بيئة مناسبة لها، والحقيقة أن هؤلاء العقلاء ليسوا عقلاء تماما؛ لأنهم يتجاهلون حقيقة أن تكلفة القضاء على البعوض فقط تساوي 500 مليار دولار، فكيف إذا أردنا تجفيف المستنقع بالكامل؟ ستموت البشرية جوعا وفقرا! هنا نقول للعقلاء: لا بأس بالقضاء على البعوض فقط لكن لا تكونوا عُقلاء أكثر من اللازم لتقتنعوا أن المشكلة فعلا في البعوض فقط! عزيزي "جون كيري"، نتفق معك في وجوب القضاء على تنظيم "داعش"، لكن ماذا عن بقية الأحزاب والجماعات المتطرفة؟ ماذا عن "حزب الله، الحوثيين، لواء أبو الفضل، عصائب أهل الحق.. إلخ"؟ واضح أن بيئة المستنقع غنية بالحياة، ماذا عن حزب البعث السوري الذي قتل بدعم من إيران قرابة 200 ألف وربما أكثر؟ ماذا عن جرائم إسرائيل؟ ماذا عن أبو غريب؟ لا أحد يطالب أحدا بأن يتكفل بالقضاء على كل هذا التطرف؛ لأنه لا أحد يستطيع القضاء على كل التطرف! لكن في نفس الوقت من غير الإنصاف القول إن الإسلام وحده من يتعرض للتشويه؛ لأن المجتمع الإنساني اليوم بكل ما فيه من معتقدات وأفكار واتجاهات بات مستنقعا آسِنا، وما الإسلام إلا متضرر ضمن متضررين، والسؤال الذي لا جواب له: لماذا لا أحد يهتم بتجميل بقية التشوهات؟ نقطة أخيرة: الحقائق ـ عزيزي جون كيري ـ توضح أن كل تدخل عسكري للقضاء على الإرهاب ينتهي دون أن يقضي فعليا على الإرهاب، وأن الجيوش لا تعود إلى ثكناتها إلا وقد أضفت إلى تلك التنظيمات شرعية لم تكن تحلم بها، لتبدأ بعدها مرحلة أكثر تعقيدا وتكلفة لنزع تلك الشرعية عن الأفهام، فهل هنالك ضامن أن التدخل العسكري اليوم سيكون استثناء؟ وإن كان هنالك ضامن فلماذا لم يُعتد به في الحرب على "القاعدة"؟ "القاعدة" التي ماتزال موجودة على أرض الواقع، فكيف نتوقع الوصول إلى نتيجة مختلفة مع "داعش" ونحن نكرر نفس التجربة بنفس الخطوات؟ أليس هذا من الغباء؟!