بعد سنوات طويلة من انقطاع تقاليد "السقاية والرفادة" لحجاج بيت الله الحرام في مكة المكرمة، أعادت المجموعات الشعبية الشبابية هذه التقاليد إلى واجهة العاصمة المقدسة من جديد عبر مشروع "الاحتفاء بحجاج بيت الله الحرام.. ضيف الرحمن هو ضيفي". هنا في أهم شارع بمكة المكرمة "شارع المنصور" الحيوي الذي يحيط به عشرات الآلاف من الحجاج الذين يتهيؤون غداً لقضاء أول أيام الحج (يوم التروية) استطاع منظمو المشروع بجهود ذاتية وعبر شراكات اجتماعية بعيدة تمام البعد عن "الدعم الرسمي" تحقيق البعد الشعبي في الاحتفاء بالحجيج. جامع عبد الله بن حسن آل الشيخ الشهير بمكة الذي يمتد عمره لخمسة عقود، كان بمثابة "المحرك الرسمي" للمشروع الاجتماعي الذي يقام للسنة الثانية على التوالي، ويهدف وفق القائمين عليه إلى تحقيق ثلاثة أهداف رئيسية عامة هي إحياء السقاية والرفادة، وإكرام ضيوف الرحمن، وإبراز الصورة المشرقة لأهل مكة، والهدف الثالث تقوية العلاقة بين أهل مكةوحجاج الحرم". المشروع شعبي استطاع جذب أكثر من عشرة آلاف حاج (الجزيرة) تربية روحية استطاع المشروع الاحتفاء هذا العام بأكثر من عشرة آلاف حاج من الرجال والنساء، من جنسيات مختلفة عربية وأفريقية وتركية، إذ يبدأ برنامج الاحتفاء من بعد صلاة الفجر حتى العشاء، ويكون كل يوم جنسية محددة. ويقول عن ذلك مدير المشروع فايز العتيبي في تصريح خاص للجزيرة نت إن "الاحتفاء يكون بالحجيج المجاورين للجامع، وقد استمر البرنامج تسعة أيام متتالية من 28 ذي القعدة وحتى مساء أمس اليوم الأخير السادس من ذي الحجة". ويضيف العتيبي أن من أهم مخرجات المشروع تنمية الشعور بسكنى مكة، وزيادة الإحساس باحتياجات الحجاج، وتربية المجتمع المكي على الاحتفاء بضيوف الرحمن، وإشاعة ثقافة العمل التطوعي. كما ركز مدير المشروع على أن هذا العمل برنامج ثقافي في الأساس غير متصل "بالعمل الوعظي الديني". وقد احتفى البرنامج خلال الأيام التسعة الماضية بجنسيات عديدة هي إندونيسيا وغينيا وبنين واليمن والنيجر وسيراليون وتشاد وتركيا، وذلك بالتنسيق معهم والذهاب إلى مقرات سكنهم بشرط وجود مترجمين يتحدثون العربية لترجمتها إلى لغة بلدانهم. يبدأ البرنامج بعد صلاة الفجر بحلقات تصحيح تلاوة لسورة الفاتحة وقصار السور، ثم يبدأ البرنامج الثاني بين صلاتي المغرب والعشاء ببرامج ثقافية وألعاب حركية للحجيج، مع توزيع عدد من الهدايا التي تنوعت بين سجاجيد الصلاة والمسواك وجرات مياه زمزم وصورة للكعبة المشرفة التي يتعلق بها الحجيج كثيراً، إضافة إلى تقديم وجبتي الإفطار والعشاء مجانا للحجيج. وقد شاركت جهات اجتماعية عدة بتنفيذ المشروع كجمعية مراكز الأحياء ومشروع تعظيم البلد الحرام ومؤسسة مكة المكرمة الخيرية وفرقة الرواد الشبابية التابعة للندوة العالمية للشباب الإسلامي ومؤسسة هدية الحاج والمعتمر. خوجة: المشروع يعكس صورة المجتمع المكي (الجزيرة) صور إيجابية وقال أحد الحجاج يأتي للمرة الأولى في حديث لقريب له إن الصورة السلبية التي سمعها من بعض أصدقائه عن أهل مكة وكونهم يستغفلون الحجاج قد تغيرت إيجابيا. وكان الحفل الختامي الذي انتهى في ساعة متأخرة أمس برعاية مؤذن الحرم المكي توفيق بن يونس خوجة الذي التف حوله الحجيج لأخذ صور تذكارية معه، وقد أشاد بفكرة المشروع وقال "إنها تجربة رائدة، خاصة أن العمل يقوم به شباب في عمر الزهور وقد عكس الصورة الحقيقية للمجتمع المكي". الفكرة وجدت استنساخاً داخلياً في أحياء مكة، التي بدأت هي الأخرى تطبيق هذ التقليد، ويرفض منظمو المشروع الحصول على تبرعات مالية من أحد، لكنهم يوجهون المتبرعين من أهالي الحي الذين تدافعوا لتقديم المساعدات العينية والتجهيزات الغذائية واللوجستية عبر التنسيق المباشر مع الجهات المقدمة للخدمة. وقال إبراهيم الحربي مساعد مدير المشروع للجزيرة نتإن الاحتفاء بالحجيج سيغير من الصورة القاتمة التي طبعت في عقول وقلوب بعض الحجاج من قسوة أهل مكة على الحجاج من أجل منافع مادية على حساب الأخلاق المكية. مواقع التواصل الاجتماعي خاصة صفحات فيسبوك تفاعلت كثيرا مع المشروع وانتقدت غياب وسائل الإعلام المحلي عن تسليط الضوء على المبادرة،وكتب عبد السلام الشاحث في صفحته "لقد أعدتم بعملكم هذا معنى الرفادة التي كان يتقنها الجاهليون، وأضاف إليها الإسلام معنى جميلا فبارك الله فيكم من شبيبة".