من منطلق علمي ومنذ زمن ليس بالقصير، كنتُ أطرح تساؤلا مستداما كلما سمعت بقضايا التعذيب والأشغال الشاقة التي تحدث في السجون العالمية، وكنت أسترشد في طرح ذلك التساؤل بالمنطلق العلمي الذي يقول: إن السلوك الإيجابي أو السلبي لكل إنسان إنما هو أمر مكتسب من كل الأحداث التي تدور في محيطه الاجتماعي، وتؤثر تأثيرا مباشرا في تكوين سلوكه، وبالتالي يصبح سلوكا إيجابيا أو سلبيا ممارسا مع من حوله، ومن هذا المنطلق تصبح عملية الإصلاح والتقويم لذلك السلوك أمرا مستوجبا، حيث يتولى ذلك الدور عدة معابر يأتي في مقدمتها؛ الأسرة ثم المدرسة والإعلام والمنابر الدعوية والسجون، لذا نجد أن الدول المتقدمة بدأت تنظر إلى سجونها التي تُعَدُّ مأوى لكل مَن يُمارس سلوكا منحرفا تتفاوت درجة خطورته في الإضرار بالمجتمع، نظرة يغلب عليها جانب الإصلاح والتقويم لذلك السلوك، ومن هنا تحوّل مسمّاها إلى الإصلاحيات بدلا من السجون، وانطلاقا من مبدأ المسايرة المستوجبة لذلك التطور في المفهوم والممارسة، أرى أن الجهات القائمة على السجون في بلادنا الحبيبة؛ بدأت تسلك ذلك المسلك، وخاصة في ظل النهج العلمي الذي يتّبعه الوزير المبدع صاحب الفكر المتجدد سمو الأمير محمد بن نايف وزير الداخلية -وفقه الله- حيث أراه يصدر تعليماته الكريمة إلى القائمين على ذلك الجهاز؛ بممارسة ذلك الدور التربوي، حيث ظهر ذلك التوجّه جليا في حديث اللواء إبراهيم الحمزي مدير الإدارة العامة للسجون بالوزارة بجريدة الجزيرة، الذي أكَّد فيه على توجيه سمو وزير الداخلية بجعل سجوننا بيئة تأهيلية وإصلاحية، كما أكَّد في سياق حديثه على وجود الكثير من البرامج التأهيلية والإصلاحية لكل السجون من خلال مراكز التدريب والتأهيل وتطوير الذات وتقويم السلوك داخل سجون المملكة، بالإضافة إلى الحرص على توفير الكثير من المتطلبات الحياتية والترفيهية داخل السجون، وتهيئة البيئة المناسبة لتحقيق تلك البرامج التأهيلية والإصلاحية لتحقيق ذلك الهدف. كما أكَّد ذلك التوجُّه سعادة مدير عام السجون بمحافظة جدة العميد أحمد الشهراني؛ في لقاء مماثل بجريدة عكاظ، أكَّد فيه على الكثير من تلك الأمور، وفي مقدمتها: أن وزارة الداخلية سعت إلى خلق مفهوم جديد للسجون، من خلال تحويلها إلى دور للإصلاح وعنابر للتدريب والتأهيل، فضلاً عن السماح للسجناء بإكمال دراستهم حتى في مراحل الماجستير والدكتوراه، وأكَّد سعادته أن سجون جدة تُعدُّ مثالاً يُحتذى في تطبيق تجربة التحوّل إلى مفهوم السجن غير التقليدي، وأفاد أيضا أن الهدف ليس حبس حرية الإنسان، بل إصلاحه بعد صدور حكم بمعاقبته، وبالتالي إعادة من حَكمت عليهم الظروف بممارسة بعض الأعمال المخالفة؛ إلى مجتمعهم لبنات صالحة يخدمون وطنهم وأسرهم بعيدا عن سلوك الانحراف، حيث عملت المديرية العامة للسجون على إنشاء حلقات تحفيظ للقرآن الكريم، ومعاهد تدريب وإعانة لمن يريد الالتحاق بالجامعة عن طريق الانتساب بأن يؤدي الاختبارات في الأوقات المحددة، كما حرصت على تزويد مكتبات السجن بالكتب المتنوعة النافعة لتثقيف النزيل وتنمية مهاراته، كما أكَّد على حرص الوزارة على ممارسة النزيل لهواياته، وعملت على إنشاء مصانع مُصغَّرة ليستفيد منها النزيل لكسب العيش الحلال، وليتعلَّم صنعة تنفعه بعد خروجه من السجن، بعد أن أصبح مركز إصلاح وتأهيل، وليس حبسا ومنعا. ومن خلال ذلك التكامل المتدرج بين كل مستويات قيادات الوزارة نحو هذا الاتجاه التربوي الحديث، أجد نفسي أقف تقديرا أمام ذلك التوجه الرائع الذي تَحقَّق، وآمل من كل القيادات ذات العلاقة أن تنتهج ذلك الأسلوب التربوي الحضاري، وأن تجعل منه مسارا لتحقيق أهداف قياداتنا العليا، وفي مقدمتها تطلعات قائدنا المحبوب خادم الحرمين الشريفين ملك الإنسانية؛ الذي يسعى في كل محفل من المحافل على التأكيد على ممارسة كل مسؤول سبل الإصلاح في كل منحى من مناحي الحياة. والله من وراء القصد. للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (43) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain