إن القشة التي يتلهف إليها الغريق، الذي رمته الأقدار ليواجه عباب البحر خوفاً من الغرق، لا تختلف عن قشة المريض الذي يواجه قدر مواجعه باحثاً خلف كل الأبواب المنطقية واللامنطقية عن علاج معلق بخيوط الرجاء والأمل في الله أولاً، ثم في الشفاء من الألم، ولأن التخلص من الألم وجزع الإنسان في كثير من الأحيان من تقبُّل فكرة إصابته بمرض خطير قد تجعله يسير في كل الاتجاهات في محاولة التخفيف من تبعات هذا المرض، نرى أن كثيراً من المرضى ينجذبون نحو الشائعات، التي تحكي عن معالجين أشاعوا عن أنفسهم وروَّجوا عبر وسائل التواصل الاجتماعي قدرات خارقة للعلاج «بالطب البديل» في مساحة فضفاضة سمحت بوجود دخلاء على مهنة الطب. فقد أخذ هؤلاء على عاتقهم إقناع المرضى بترك العلاج الطبي، ومنحهم وعوداً بالعلاج عن طريق الرقية الشرعية أو الطاقة أو الطب الشعبي وغيرها من المسميات التي جعلت الضعفاء من المرضى وحتى المثقفين منهم يصدقون هذا النوع من العلاج، وبعد مرور الوقت يكتشفون أنهم كانوا ضحية لهؤلاء الكاذبين، الذين قد يتسببون في تعجيل الوفاة أو تفاقم الحالة الصحية. وعند زيارتي أحد المواقع التي تدّعي العلاج بالطاقة في منطقة عسير لم أصدق أعداد السيدات الموجودات على قائمة الانتظار، وهن يفترشن الأرض في انتظار أحد المعالجين، الذي يقوم بالكشف عن طريق تمرير «قلم» على يد المريض أو على جسده لاكتشاف العلة، ولن أنسى مئات السيدات اللاتي وجدتهن جالسات ساعات طويلة في مكان مهجور دون كلل أو ملل في انتظار العلاج من أحد الرقاة، ولا أنسى كذلك قصص الأطباء عن الحالات التي وصلت إليهم وهي في رمقها الأخير تاركة العلاج بالكيماوي بسبب وعود العلاج والصحة وكتابة وصفات وروشتات شعبية بأعشاب وخلطات غريبة. لقد انتشر هذا النوع من العلاج كانتشار النار في الهشيم، ما يتطلب وقفة واعية تجاه هذه الممارسات، وتضافر الجهود الرسمية والشعبية لمتابعة هذا النوع من العلاج وفرض عقوبات صارمة على المدلسين.