لا تواتيني فرصة لكي أكتب أو أتحدث عن ضرورة تعليم الطب (وغيره من العلوم) في جامعاتنا ومعاهدنا باللغة العربية إلا انتهـزتها لكي أوصل الرسالة إلى المسؤولين عن التعليم في بلادنا وإلى المهتمين بأمـره. تعليم الطب وغيره من العلوم بلغتنا الأم ــ اللغة العربية ــ أمر حتمي يمليه العقل والمنطق. مـع ضرورة إجادة لغة أجنبية أو أكثر. سئلت في أكثر من مناسبة.. كيف يتأتى لطالب الطب أن يجيد اللغة الانجليزية إذا ما درسه باللغة العربية، وكانت إجابتي هي: كما يجيد خريج كليات الطب في فنلندا والسويد والنرويج والدانمرك وإسرائيل لغة أجنبـية أو أكثر، وجميعها دول على صغـر حجمها وقلة عدد سكانها تعلم الطب بلغاتها. علينا أن نفرق بين أمرين : أن نتعلم لغة أجنبية وهذا أمر لابد منه، وأن نتعلم العلوم بلغة أجنبية وهذه هزيـمة نفسية. سبق أن صاغها ابن خلدون في عبارة جميلة تقول « إن النفس تعتقد الكمال فيمن غلبها وانقادت إليه ». كما عبر عنها شيخ الإسلام ابن تيمية بقوله « إن اللغة يسقط أكثرها بسقوط أهلها ودخول غيرهم في مساكنهم ». طالب الطب في جامعاتنا العربية ــ نتيجة لضعف حصيلته في اللغة الإنجليزية ــ وهذا أمر لا بد لنا من أن نعترف به ــ يدرس الطب عادة من الملخصات ولا يرجـع إلى المراجـع الطبية، إذ إن سرعته في القراءة بطيئة مقارنة بالطالب الذي يقرأ بلغته الأم . وأثناء المحاضرات تراه يجلس صامتا يتلقى ويسجل ما يتلقى فهو يتهيب النقاش بلغة أجنبية لا يجيدها. ولو سألت 100 طالب طب في سنتهم الأخيرة ما المجلة أو الصحيفة الإنجليزية التي يفضلون قراءتها أو آخر كتاب (غير طبي) قرأوه بالانجليزيـة لوجدتهم لا يحيرون جوابا لأنهم ببساطة لا يفعلون. أتحدث بالطبع عن القاعدة ولكل قاعدة شواذ. أريـد أن أنتهي إلى أن تدريس الطب باللغة الانجليزية لا يساعد الطالب بالضرورة على إجادة اللغة الانجليزيـة كما يساعده على ذلك دراسة اللغة كلغة بمفرداتها وصرفها ونحوها. أما إذا أتينا إلى المصطلحات فلك أن تعرف أن نسبة المصطلحات الطبية في كتب الطب لا تزيـد على 3.3% إذا استثنينا التكرار... وللحديـث بقـيـة.