يتعذر الاصلاح في كثير من البلاد المركزية - القبلية لعدد من الأسباب أهمها -في رأيي- غياب المجتمع المدني وتوجيه الدولة المركزية لسياستها نحو القبلية والإثنية اللاتي ساندتها في طور البناء. لكنني أطرح أن هذه المصالح المدركة قصيرة الأمد، وأن من مصلحة النظام المركزي تشجيع المجتمع المدني كجزء من الإصلاح السياسي. المجتمع المدني كما عرفته أماني قنديل في كتاب لسعد الدين إبراهيم بعنوان (المجتمع المدني والتحوّل الديموقراطي في الوطن العربي) بأنه «مجموعة من التنظيمات التطوعية الحرة المستقلة نسبيًّا والتي تملأ المجال العام بين الأسرة والدولة، لتحقيق مصالح أفرادها أو تحقيق منفعة جماعية للمجتمع ككل. وهي في ذلك ملتزمة بقيم ومعايير الاحترام والإدارة السلمية للتنوع والخلاف». ومن طبيعة المركزية كما كانت في العراق مثلا أنها تنفي المجتمعات المدنية وتستأثر بالقوة ويقوم موقفها من الشعب على اعتباره مجموعة من الأتباع والرعايا بدلاً من المواطنين كما يقول باقر سلمان النجار في كتاب (الديموقراطية العصيبة في الخليج العربي) فقد تعين القبيلة أو العشيرة السلطة على كسب بعض القوة في المجتمعات المدنية القائمة لكنهما يعزران عمل هذه المجتمعات على المدى البعيد إذ إنهما يفقدانها سمة المرونة في تبديل القيادات لإنجاز آمال الشعوب. لكن العمل هذا -تقويض المجتمعات المدنية وإبراز القبلية للإتيان لبعض القوة للسلطة- تحرم الدولة من الإصلاحات التي لا يمكن أن تخرج دون المجتمع المدني. وتعطيل الإصلاحات من ناحيته يحفز المعارضين للسلطة ويمدهم بالدعم الشعبي الذي منه يستمدون قوة معارضتهم وهذا ضد مصلحة النظام على المدى البعيد. أمّا إن تقاعست الدولة المركزية عن الإصلاح ومساندة المجتمع المدني، أو السماح له بالنمو فالعشائرية والقبلية كثيرًا ما تسبب فتنًا طائفية، أو عرقية، أو إثنية كما كان الحال في يوغوسلافيا أو العراق. وهذا يحول دون التحول الديموقراطي وأن سهلته الظروف المحيطة. ففي غياب المجتمع المدني خطر جسيم إذا ما اختفت القوة المركزية. وعليه فإن وجود حماية للمجتمع المدني أحد حقوق المواطنة وفي انعدامه مجازفة للحقوق العامة كالمحافظة على النفس والمال والعرض.