×
محافظة مكة المكرمة

عام / انطلاق أسبوع النزيل الخليجي بسجون الطائف الأحد القادم

صورة الخبر

القاهرة: عبد الستار حتيتة أمام فيلا تطل على «الحي الدبلوماسي» في ضاحية «التجمع الخامس» بشرق القاهرة، كان يقف حارسان مصريان في ملابس رمادية. هنا يقيم أحد أهم الشخصيات التي عملت لسنوات مع معمر القذافي قبل أن ينشق عن نظامه في 2011. وبعد قليل بدا أن هناك حركة مثيرة للانتباه. نعم.. لقد جاء توا وفد مكون من ثلاثة يمثلون أبرز الداعمين لجماعة الإخوان المسلمين في ليبيا، وعبروا مدخل الفيلا المزين بالمرايا والرسوم الفرعونية. وكان مع الوفد مجموعة وثائق، من بينها ورقة تتكون من عدة نقاط للتفاوض حولها، بينما تشمل الأوراق الأخرى، التي اطلعت «الشرق الأوسط» على نسخ منها، حصيلة اجتماعات عقدها سياسيون ورجال أعمال «معتدلون» لكنهم محسوبون في الوقت نفسه على قوات «فجر ليبيا» التي يقودها متشددون من «الإخوان». وتبين من الأوراق أن هؤلاء الداعمين لميليشيات الجماعة يتجهون للتخلي عنها، وأصبحت لديهم رؤية تتجاوز المنظور الضيق الذي يتعامل به الإخوان والمتشددون مع الحالة الليبية. وأكدت الوثائق أن الانتصار الذي حققته «فجر ليبيا» في معركة السيطرة على مطار طرابلس الدولي وعلى العاصمة نفسها في الأشهر الماضية «قابلته خسائر سياسية كبيرة أصبح لها تداعيات محلية وإقليمية ودولية تصب في صالح البرلمان الجديد الذي يعقد جلساته في طبرق». ويقود الوفد شاب من كبار المستوردين الليبيين في طرابلس. وخلافا لتوجهات قادة «فجر ليبيا» تشير الوثائق إلى وجود مساعٍ من أبرز داعمي هذه القوة للدخول في حوار مع باقي الخصوم بمساعدة دول الجوار والأمم المتحدة للتوافق حول الوضع السياسي، يتضمن الاعتراف بالبرلمان الجديد، مع وجود تحفظات على الحكومة المنبثقة منه، وعلى اللواء خليفة حفتر، الذي يقود «عملية الكرامة» العسكرية ضد المتطرفين. وفي لغة جديدة قالت الأوراق ما معناه أن «قوة فجر ليبيا ومن يقودها من جماعة الإخوان، عليها أن تعلم أنه لن يكون في استطاعتها الدخول في مفاوضات مع الأطراف الدولية حول الحل في ليبيا، ما دامت ترفض الاعتراف بالبرلمان الذي اختاره الشعب وفقا لصناديق الاقتراع وبالطريق الديمقراطي». ويأتي هذا التطور بالتزامن مع تشديد الجيش الوطني، بقيادة حفتر، ضرباته على مواقع المتشددين، ليس في بنغازي فحسب، بل في العاصمة ومحيطها، أي ضد معاقل ميليشيات «الإخوان» التي تقودها شخصيات أغلبها من مدينة مصراتة الواقعة على بعد 200 كيلومتر شرق طرابلس. ويوجد في مصر عدة عشرات من الشخصيات الليبية المهمة التي تنتمي إلى عهد القذافي وأخرى تنتمي إلى عهد ما يعرف بـ«ثورة 17 فبراير 2011»، تضم منشقين ومعارضين سابقين.. كل هؤلاء فروا من البلاد، بعد هيمنة الإخوان والمتشددين المتحالفين مع الجماعة على البلاد، طيلة السنوات الثلاث الماضية، وذلك بسبب تهديدات بالاغتيال من جانب المتطرفين. وبعد أن جابت الكثير من هذه الشخصيات بلدانا عربية وأوروبية، استقرت أخيرا في أبراج تطل على النيل، وفي فيلات تقع داخل مجمعات سكنية مغلقة على تخوم القاهرة مثل مدينة السادس من أكتوبر، ومنطقة «التجمع الخامس». ومن بين هؤلاء قيادات حكومية ووزراء سابقون ينتمون إلى توجهات سياسية وقبلية وجهوية مختلفة. ويعقد بعض من هؤلاء الفرقاء اجتماعات مصغرة، وغير معلن عنها، بين حين وآخر لمتابعة ما يجري من اقتتال في بلادهم وسبل الخلاص من المخاطر التي تهدد ما تبقى من الدولة الليبية. وزادت مثل هذه اللقاءات في الأسابيع الأخيرة، وشملت أيضا مقابلات مع موفدين من أوروبا والولايات المتحدة وروسيا، كان آخرها مقابلة جرت في فندق «فورسيزونز» المطل على كورنيش القاهرة، مع رجل فرنسي يتمتع بعلاقات واسعة مع قادة في منطقة الشرق الأوسط والاتحاد الأوروبي، واستمع من أحد الرموز السياسية الليبية لخطر المتشددين الإسلاميين، ليس على ليبيا فقط، ولكن على الأمن في دول الجوار والبحر المتوسط وأوروبا. وتعد هذه هي المرة الأولى التي يطلب فيها ممثلون لرجال أعمال ليبيين كبار معروفين بدعمهم المالي والقبلي والجهوي لجماعة الإخوان مقابلة أقطاب محسوبة على «نظام القذافي» ومحسوبة على «البرلمان الجديد». وتبين الوثائق التي تسلمت قيادات ليبية مقيمة في القاهرة نسخا منها أيضا، الأزمة التي أصبح يمر بها الإخوان، خصوصا بعد الخسائر الشعبية والسياسية التي ضربت الجماعة في كل من مصر وتونس. وجرى تسريب هذه الوثائق أيضا لمسؤولين كبار معنيين بالشأن الليبي، من مصر وتونس والجزائر وأطراف دولية. وتعد منطقة «التجمع الخامس» واحدا من أرقى المواقع السكنية في القاهرة، وتقع فيها فيلات لكبار الشخصيات من مصر وخارجها. وأمام الفيلا المطلة على «الحي الدبلوماسي» فتح أحد الحراس الباب لدخول الليبيين الثلاثة، القادمين إلى هنا عبر مطار إسطنبول التركي، ليجدوا في استقبالهم القيادي السابق في نظام القذافي البالغ من العمر نحو 60 عاما. وتبادل الرجال الابتسامات وهم يهزون أيديهم في سلامات حارة وطويلة، قبل أن يختفوا في الصالون الواسع الذي يتكون من عدة زوايا تمنح الخصوصية في حال وجود أكثر من زائر في نفس الوقت. وشهدت «الشرق الأوسط» جانبا من هذا اللقاء الفريد من نوعه، والذي تطرق في بدايته، عن سير الحياة في البلاد الغارقة في الفوضى، وذلك حول أطباق ممتلئة بالفستق واللوز وبذور اللب والعصائر. وسأل صاحب الفيلا ضيوفه عن 5 من أسماء القيادات السياسية والقبلية الكبيرة في السن والمسجونة في أقبية تابعة لميليشيات الإخوان في طرابلس وضواحيها منذ مقتل القذافي في خريف عام 2011، حتى الآن، لكن الردود جاءت محبطة، حيث كان رئيس الوفد يتولى الرد. وهنا قال القيادي السابق في نظام القذافي إنه في حالة وفاة أي من هذه الشخصيات في سجون الميليشيات ستكون محاولات التفاهم حول المستقبل أكثر صعوبة، وإنه «حتى لو تخليتم عن دعم الإخوان فإن هذا لا يعفيكم من المسؤولية عن مصير المعتقلين»، مشيرا إلى أن هؤلاء الخمسة يعانون من اعتلال الصحة بسبب الشيخوخة، وأن من بينهم ابن عم للقذافي نفسه. وتابع قائلا للضيوف الثلاثة: «لا نريد إطلاق سراح المتهمين في قضايا جنائية، إلى أن تستكمل التحقيقات بشأنهم شرط أن تكون نزيهة، ومنهم رئيس المخابرات السابق (السنوسي) ورئيس الوزراء الأسبق (المحمودي)، ولكن يوجد معتقلون لا ذنب لهم سوى أنهم ينتمون إلى قبائل اعتمد القذافي على عدد من أبنائها أثناء حكمه، من قبائل ورفلة والمقارحة والقذاذفة أيضا». وكان رئيس الوفد، الذي يحظى بثقة كبار رجال الأعمال المعروفين بوقوفهم وراء ميليشيات الإخوان، يعيش في المنفى، في أوروبا، في العهد البائد، ورجع إلى بلاده لينخرط في ثورة فبراير، لكنه بعد أن عمل في «منظومة الثوار وكتائبهم» فوجئ بالإخوان يهيمنون عليها - كما يقول - ويحاولون، خصوصا من مطلع هذه السنة، جر قيادات أخرى مؤثرة لدعم حروب الجماعة ضد باقي الفصائل والقبائل والمدن الليبية، فقرر التوقف عن السير في هذا الطريق، منتصف العام الحالي، والانحياز إلى حراك يقوده سياسيون وأثرياء ومثقفون، بينهم أكاديميون تعلموا في الخارج وشبان من مدينة مصراتة الثرية. وقال رئيس الوفد إن «مصراتة تريد أن تدرأ عن نفسها تهما بدعم الإخوان والمتطرفين». وبدأ يشرح، وهو يتطلع إلى الجدران وما عليها من صور عائلية وخارطة لليبيا، المصاعب التي أوضح أن الكثير من الليبيين في الداخل والخارج لا يعرفونها عن سطوة قيادات إخوانية على مدن مصراتة وزليتن وسرت وصبراتة وبنغازي، وهيمنتهم على ميليشيات تضم ألوف الشبان والمعدات الحربية التي أصبحت تعرف في ما بعد بـ«فجر ليبيا»، للسيطرة على العاصمة والبلدات المجاورة لها والتشدد الذي أصبحت عليه الجماعة، عقب تحالفها مع باقي التنظيمات المتطرفة في البلاد، بما في ذلك رفضها للحوار مع البرلمان الجديد ورموزه باعتبار أنهم «فاقدون للشرعية ويستخدمون الجيش للانقلاب على ثورة فبراير». وظهر من الحوار الذي استكمله الطرفان بعد ذلك على مائدة غداء تضم أكلات شعبية ليبية، في بهو آخر بالفيلا، أن الخلاف الرئيس يدور حول نقطتين.. الأولى عملية «فجر ليبيا»، لكن بدا أن هناك توافقا مبدئيا على طرح يقضي بمحاولة فصل «الثوار» عن ميليشيات الإخوان، من أجل تسهيل مهمة التفاوض بين الفرقاء مستقبلا، بعيدا عن المتشددين من الجماعة. والثانية حول مستقبل «اللواء حفتر» وكيف أن استمراره في قيادة «عملية الكرامة» يمكن أن يعرقل انخراط المعتدلين الفاعلين، خصوصا في مصراتة، في المفاوضات المقترحة، سواء داخل ليبيا أو في إحدى دول الجوار، كالجزائر. وتعد منطقة الرجمة القريبة من مدينة بنغازي مقر عمليات الجيش بقيادة حفتر ضد المتطرفين، بينما ينظر إلى مصراتة على أنها القاعدة الرئيسة لعملية «فجر ليبيا» التي يلتف يهيمن عليها المتشددون. ويؤيد البرلمان الجديد حرب الجيش ضد المتشددين في عموم البلاد بقيادة حفتر، ولديه حكومة معترف بها دوليا هي حكومة عبد الله الثني. ويعقد هذا البرلمان جلساته في مدينة طبرق، مؤقتا، بعيدا عن مناطق الحرب. ومن جانبه قام «المؤتمر الوطني العام (البرلمان المنتهية ولايته)»، الذي كان يهيمن عليه الإخوان والمتطرفون، بالاستناد على قوات «فجر ليبيا»، كذراع عسكرية لا يستهان بها، لكي يعود لعقد جلساته في طرابلس، ويعلن عن تشكيل حكومة موازية بقيادة عمر الحاسي. ويعد الحاسي من المتعاطفين مع الإخوان، لكن المشكلة تكمن في أن معسكر الجماعة يتبنى خطابا يرفض الاعتراف بالبرلمان المنتخب، ويصف نفسه بأنه المعسكر الذي «يمثل الثورة التي قامت ضد القذافي»، وما زال يطلق على العناصر التي تقاتل معه لقب «ثوار» رغم مضي أكثر من 3 سنوات على انتهاء الثورة. وأعاد الإخوان عقد جلسات المؤتمر الوطني برئاسة نوري أبو سهمين، المحسوب على الجماعة. لكن الوثائق الجديدة المشار إليها تضمنت لأول مرة الاعتراف صراحة بأن «البرلمان الجديد (الذي أيد عملية الكرامة ضد المتطرفين) يمثل الشرعية السياسية في البلاد»، وأنه «يوجد حوله إجماع وطني، بينما نجد في المقابل أن ممارسات الثوار (مقصود بهم ميليشيات فجر ليبيا وأنصار الشريعة) تبدو خارج الشرعية القانونية». وتحذر وثيقة أخرى من تسليم قوات «فجر ليبيا» لنفسها لتحقيق طموحات الإخوان، ومن خطورة أن تكون هذه القوات بمثابة جيش لبرلمان أبو سهمين، وحكومة الحاسي. وتبين الأوراق وجود إدراك لكراهية الشعب لتجربة البرلمان السابق وما أصدره من قوانين مثل قانون العزل السياسي، وتسببه في زيادة الاحتقان بين الفرقاء الليبيين طوال مدة عمله التي استمرت نحو عامين وقعت فيهما الكثير من الاضطرابات والمواجهات والاغتيالات. وأقام أعضاء الوفد الليبي في فندق «فيرمونت» القريب من مطار القاهرة الدولي، ولديهم وجهة نظر تقول إن الأمور سارت بشكل متسارع منذ قرر الليبيون إسقاط النواب الإخوان وانتخاب شخصيات وطنية مستقلة، قبل 4 أشهر، حيث تصدت قيادات الإخوان «وللأسف معظمهم ينتمون إلى مدينة مصراتة» للبرلمان الجديد، ولكل من أعلن موالاة الجيش في حربه ضد المتطرفين. وشكلت الجماعة تحالفا من الميليشيات التي يوالي بعضها تنظيم القاعدة، مثل تنظيم أنصار الشريعة، وقامت بالهجوم على مطار طرابلس لإخضاع العاصمة لسيطرتها بالقوة، ويشير أحد أعضاء الوفد إلى أن هذا الأمر «جعل كبار رجال السياسة والمال، في مصراتة، يشعرون بالقلق من المستقبل، محليا ودوليا، خصوصا بعد أن أصدر مجلس الأمن قراره رقم 2161 منتصف هذا العام، بفرض عقوبات مالية وحظر السفر على الأشخاص والكيانات التي تستخدم العنف أو تموله أو تدعو إليه». ومن جانبه يقول رئيس الوفد الليبي إن رجال أعمال أغلبهم من المنطقة الغربية من بلاده وبعضهم من بنغازي، وبسبب قرار الأمم المتحدة المشار إليه تعرضوا بالفعل للملاحقة في الشهور الأخيرة في بعض الدول، منها دول خليجية تعد من المحطات المهمة للمستوردين الليبيين للسيارات والأجهزة الإلكترونية والمنزلية من آسيا، وذلك بعد الاشتباه في مشاركتهم في تمويل الإخوان و«فجر ليبيا». ويقول عضو من الوفد ويعمل في مجال استيراد معدات الحفر وتكسير الحصى من ألمانيا، ويعد من السياسيين المعتدلين الذين بدأوا ينفرون من توجهات الإخوان، إن التوصل إلى تفاهمات مع الخصوم السياسيين سواء في الداخل أو من الموجودين في الخارج مثل المجموعات الموجودة بمصر «ما زال سابقا لأوانه بسبب حالة الاستقطاب الشديدة التي تسببت فيها الجماعة وحلفاؤها، في أوساط شبان من مصراتة وصبراتة وبعض مناطق طرابلس وما حولها». ويضيف أن «أي حوار أو مصالحة ستحتاج إلى تغيير لمفاهيم عدة، وبالتالي إلى مزيد من الوقت، بما في ذلك موضوع الإفراج عن قيادات سياسية وقبلية بعينها، لكن أهم شيء في هذه المرحلة أن يعرف العالم أننا لن نسير وراء الإخوان، كما أن عملية فجر ليبيا نرى أنها لا بد أن تتوقف.. هذه العملية كانت محسوبة على مصراتة، لكن الآن أصبح يسيطر عليها المتطرفون ويستغلونها في تحقيق أهدافهم الخاصة الضيقة». وعلمت «الشرق الأوسط» أن الوفد الليبي لم يتمكن من إجراء أي مقابلة مع ممثلي الدولة المصرية رغم تقدمه بطلب لقيادات مسؤولة بالقاهرة عبر وسيط، وأن الجانب المصري رد على طلب هذا الوفد، بشكل غير مباشر، بالتأكيد على أن «من يقُل من القيادات الليبية إنه ينبذ التطرف ويريد أن ينسحب من تحالف الإخوان، فعليه أن يتخذ إجراءات عملية على أرض الواقع قبل أن يطرق الباب المصري». وتشير الوثائق إلى اجتماعات عقدها سياسيون ورجال أعمال في غرب ليبيا في الأسابيع الماضية، وتقر بأن ليبيا أصبحت تعيش مرحلة من انعدام التوازن السياسي والأمني والعسكري، وأنها باتت تقترب من الفشل في أداء عملها كدولة. وتوقعت أن يغدو هذا الإشكال «معقدا ومتشابكا ومتداخلا إقليميا ودوليا». وتعكس الوثائق جرأة غير معهودة، وتعطي إشارات شجاعة إلى أن كبار من يقفون وراء قوات «فجر ليبيا» ربما لن يستطيعوا الاستمرار في السير وراء طموحات الإخوان. وتقر وثيقة أخرى بعدم نضوج القناعة بمبدأ التداول السلمي للسلطة، واعتماد نخب سياسية على ركائز جهوية ودعم أنفسهم بـ«ميليشيات»، ما تسبب في «تجاذبات حادة وعنيفة». ويقول أحد أعضاء الوفد الليبي إن «الإسلاميين استغلوا مدينة مصراتة أسوأ استغلال»، لأن المدينة الغنية والمتماسكة، والبالغ عدد سكانها أكثر من نصف مليون نسمة، تتميز بوجود رجال أعمال ومال كبار فيها، دعموا بشكل قوي الثورة ضد القذافي، كما شارك ألوف الشباب منها في العمليات العسكرية سواء حين دخلت «قوات الثوار» إلى مقر حكم النظام السابق في باب العزيزية بطرابلس في أغسطس (آب) 2011، أو حين جرى القبض على القذافي وقتله، بعد ذلك بشهرين، على أيدي قوات من مصراتة قامت بنقله إلى المدينة.ويضيف أن المشاركة الواسعة لمصراتة في الثورة، مكنتها من جمع معدات عسكرية ضخمة من الكتائب العسكرية التي كانت تابعة للقذافي، من بينها ألوف المدرعات والمصفحات والدبابات والمدفعية والصواريخ، مشيرا إلى أنه «عندما خسر المتطرفون انتخابات البرلمان الصيف الماضي، عملوا على تجاوز هذه الخسارة بطريقة التفافية أصابت سمعة مصراتة في الصميم في ما بعد، وذلك بأن قدموا أنفسهم لقيادات شعبية وعسكرية معتدلة في المدينة على أرضية أخرى تقول إنه ليس من حق فصيل معين أن يهيمن على الدولة الليبية». وأن هذا الفصيل قصد به وقتها «جماعة الزنتان التي كانت تقوم بحراسة مطار طرابلس الدولي». ومن المعروف أنه جرى توافق، تحت الضغط الشعبي، في عام 2013، على انسحاب الميليشيات المسلحة من طرابلس، بما فيها قوات مدينة مصراتة ذات التسليح والعتاد الأكبر في البلاد. لكن أحد أعضاء الوفد الليبي يقول إنه «رغم ذلك، لم تستجب قوات الزنتان للانسحاب من المواقع التي كانت تهيمن عليها في العاصمة، خصوصا مطار طرابلس، وأنها استغلت انسحاب قوات مصراتة من العاصمة، وبدأت في تنفيذ خطة لسيطرة قواتها ورجالها على المدينة وعلى وزارتي الداخلية والدفاع بإيعاز من خصوم سياسيين جهويين وقبليين»، وأن هذا جرى «رغم أن مصراتة لم تكن من الأساس قد زاحمت على شغل أي موقع من المواقع العليا في دولة ما بعد القذافي». وتشير الوثائق إلى استغلال المتطرفين من «الإخوان» و«الجماعة الليبية المقاتلة»، و«أنصار الشريعة» المرتبطة بتنظيم القاعدة، هذه المشاعر الجهوية بين مصراتة والزنتان للهيمنة على العاصمة والتنافس على الإقامة في قصور وفيلات القذافي وأنصاره في طرابلس. وعليه تكونت قوة «فجر ليبيا» واقترنت بمصراتة «في ظل ملابسات وظروف ساعدت على ذلك». وكانت من أبشع المعارك التي وقعت بين الطرفين تلك التي جرى خلالها تدمير مطار طرابلس الدولي وما فيه من طائرات، وحرق أكبر مستودعين للوقود، إضافة لأعمال القتل والتخريب والتهجير الذي شهدته العاصمة. وتقول الوثائق إنه ترتب على «الانتصار العسكري» لقوات «الثوار (فجر ليبيا)»، استمرار الإخوان في تنفيذ مخططهم الخاص، وأنه بدلا من أن تستغل «فجر ليبيا» هذا الانتصار للدخول في حلول سياسية مع الأطراف الأخرى بما فيها البرلمان، قامت جماعة الإخوان ومن معها من متطرفين برفض الاعتراف بالبرلمان الجديد، وقامت أيضا بإعادة البرلمان السابق للانعقاد، وتشكيل حكومة موازية ومحاولة إيهام العالم بأن البلاد فيها برلمانان وحكومتان. وتتحدث واحدة من الوثائق عن الإخوان بطريقة حادة، قائلة إنهم «لا يتورعون عن عقد التحالفات مع أي من الفصائل الثورية أو السياسية من أجل الوصول إلى هدفهم الخاص.. أي فرض رؤيتهم على الدولة والمجتمع». ومن جانبها توجه وثيقة أخرى الانتقاد إلى «الثوار» وغيرهم من القيادات المحسوبة على مصراتة، ممن يرفضون الاعتراف بالبرلمان، قائلة إن الاستمرار في هذا الرفض يجعل الرأي العام الليبي يوقن أن «الثوار» الذين سبق ورفعوا شعار التبادل السلمي للسلطة بعد مقتل القذافي لا يؤمنون، في الحقيقة، بقواعد الديمقراطية «بل يعتبرونها من وسائل القفز على السلطة»، و«اختزال الوطن لمصلحة الجماعة أو الجهة التي ينتمون إليها، ويخططون لاختطاف الدولة ووضعها تحت قبضتهم»، مشيرا إلى أن الرأي العام بدأ يرى هذا الواقع المرير بعد أن أعاد «الثوار البرلمان الميت من تحت الأنقاض ليمارس سلطاته من جديد». ويبدو أن الوثائق التي عكف على وضعها مجموعة من السياسيين المعتدلين، لا تهدف إلى إلغاء «قوات فجر ليبيا»، ولكنها تريد أن تفصلها عن هيمنة الإخوان والمتطرفين، وأن يكون لها خط سياسي مبني على الحوار مع الفرقاء السياسيين، على رأسها الاعتراف بالبرلمان، ومحاولة تصحيح المسار من داخل العملية الديمقراطية وليس من خارجها «أو من خلال الانقلاب عليها». وتعد مصراتة من أهم المدن الليبية بعد كل من طرابلس وبنغازي. ويوجد فيها ميناء بحري ومطار جوي، وكلية حربية. ووفقا لأحد أعضاء الوفد الليبي فإن هناك خلافا في الوقت الراهن بشأن من يسيطر على المكونات الرئيسة لهذه المدنية، «هل جماعة الإخوان وحلفاؤها أم القوى المعتدلة التي تسعى للعمل في إطار دولة موحدة؟»، مشيرا إلى أن الاتجاه المعتدل أقنع قبل شهر غالبية نواب مصراتة، ممن يقاطعون اجتماعات البرلمان الجديد، بضرورة المشاركة في الحوار الذي تقوده الأمم المتحدة، ما دفع الجناح المتشدد بقيادة الإخوان إلى مهاجمة الداعين إلى الحوار وتخوينهم. وفي هذه الأثناء، أي خلال الاستعداد لمغادرة الفندق والعودة لمطار القاهرة، تلقى الوفد الليبي عدة برقيات عبر البريد الإلكتروني تعكس، من جديد، ما بدا أنه اتجاه المعتدلين المحسوبين على الجبهة الغربية من البلاد، لاتخاذ إجراءات فعلية ضد تنظيمات المتشددين، ويتوقع أن تتسبب في خلافات كبيرة داخل طرابلس وبنغازي ومصراتة ودرنة، من بينها برقية تتضمن نداء علنيا صادرا من مجلس مصراتة البلدي ويدعو «أنصار الشريعة، لحل نفسها كجماعة أو تنظيم، يعرقل العملية السياسية التي ارتضاها الليبيون من أجل الوصول إلى غايتهم في بناء دولة مدنية دينها الإسلام الوسطي بعيدا عن الغلو والتطرف».