لا سلطان بيدي، ولا عصا أهش بها قطيع الحزن الذي غزاني، أنا مازلت مندهشاً بعجب، أكاد أحس بأن هناك كلام غواية، أو أخمن بأن هناك فخ منصوب عند موضع وشاية عتيقة، آخر حكايات المدينة، ثيمة مدموغة في أجساد عجفاء، تبينت بعد أن انقشعت ستارة المرآة، وانفتح النص، ونزلت الأصوات، وانزرعت فوق ضروع الأرض بور وسبخات، حاولت حرثها بمحراث كبير، قلت سأبذرها ببذور منتقاة، وأنتظر خراج الغيمة، وريثما يكبر الحقل والبيدر، سأقتنص إغفاءة ممكنة تحت سدرة نائية، حلمت عندها بأن كلام البعض الغامض، نص غير مدهش، ولحن مزعج نشاز، وقصيدة ناقصة مبتورة، كلامهم لا ينمو ولا يتراكب، وسردهم غير واقعي، يشبه خرافة المتن والهامش، سلكوا طريقا غير سهل ولا ممتع ولا آمن وبه مهاوٍ، وأشجاره المحاذية قطوفها غير دانية، كلامهم طري، غير متناغم، وغير ناضج، انسلخوا من بردة الهيبة، ولهم خديعة جسد، وخديعة كلام، يتفلسفون، حاولوا أن يستبدلون كلامهم الواضح بكلام آخر مشفر، أكثر قسوة ومخاتلة ومواربة وغبشاً، رصعوا كلامهم بمفردة الرمز، يحسبون ذلك أرحم لهم وأحلى، وحتى لا يشعرون بالإحباط، أثّثوا مفتتحات كلامهم ونهاياته، بالبساطة كبائع الحلوى والسمن والفراء، فإن وجدوا أن هذا التشكيل المبسّط لا يفضي إلى حدث حتى وإن كان باهتاً، زحزحوه قليلاً ومروا عليه مرور العميان، وفكّروا في أمر ثان، وتدبّروا ما تيسّر في صدورهم، من أوشال لغة تخترع العصيان، يا هؤلاء كيف لمثلكم يغطس في حضن الرماد، ويحب الهلاك والدمار ويصفق لكل من يستبح كل جميل وبهي؟ لماذا أنتم مقمّطين بسواد باذخ، تغطسون إبهامكم في حلق الحياة لتسدوه، يا هؤلاء كأن كلامكم تأويل رخيص لشيء ما؟ دعكم من هذا الهراء المدمع، لا يغويكم الشيطان والحكاؤون، ولحظتها يفر منكم صحبكم وخلّانكم وجلّاسكم وندمانكمن سيصبحون بعيدون عنكم عابرين في طرقات المدينة، ربما سيضحكون عليكم، وربما يجلسوك فوق دكّة فائضة على باب عتيق، ثم ينادوا بالرعاع، لكي يرجموكم بقاسي الحجر، ولا تبرحوا الجبل والسفح أو منتزهات الحياة، يا هؤلاء لا تخونوا الوطن، ولا تفسدوا علينا وده، أو تحرضنونا عليه، ولا تقولون ما لا نعتقده، لاتتمادوا في العبث، فقولوا كلاماً واقعياً، وإهجروا الشيطان، اقتلعوا الشوكة، وازرعوا مكانها وردة، الحياة جميلة، ولا هي قبيحة، يملج وجهها بمسحوق البهاء، عندما تسيح فوقه أسنة الشمس، اركلوا كلامكم المتصحّر المتصخر فوراً، واتحوا خزانة الحقيقة، استعينوا بتاريخ الحكماء المثاليين، لا تكونوا كمن مسّه الجنّ، وتاه منه الرشد، وزاغت عنه الحكمة، فنسي الرقابة والرقيب والحسيب، الذي إن لم يجد من يخمشه من خشمه خمش نفسه، وحنّى ظهره بسياط الجلاد، ورمى عليها الثلاث المثلّثات، يا هؤلاء لا تخونوا وطنكم ومجتمعكم في كومة كلام مؤثث، أقترح عليكم أن تعودوا إلى كلامكم العتيق، فتملؤا ثقوبه، وتربطوا خيوطه، وترمموا شباكه، وما دمتم أبناء لهذا الوطن العامر القويم، فيجوز لكم أن تعتذروا، ويجوز لنا القبول، انزلوا قليلاً من عاج الكلام، واهبطوا شطر المتاح، ارسموا مفردة حالمة جميلة، ولا تذهبوا صوب الخديعة، اهربوا من صنف الدسيسة، ورمموا ثقوب الحكاية، بعيداً عن التفخيم والتضخيم والتأويل، في الشأن المتصل بإطلاق الكلام وخلع الألقاب والخصال، أرأيتم كم هي الحياة مذهلة؟ لا تجعلوا صوركم في الأذهان أكثر تعقيداً، بسبب من التشظّي الصوري، والانثيال البطر، امسحوا من ذاكرتكم مقاطع الخرافة وتقنية التغبيش والتضبيب، هذا حل حسنٌ مريح، وفكّ لظروف طارئة، يا هؤلاء الوطن عظيم ومهم وثمين أنتجكم حتى أخذتم بالفصاحة تصيحون، هيؤوا أنفسكم للاعتذار، واضغطوا عليها، وأطلقوا لغة الكلام الجميل، وقولوا كلاما محكماً مسبوكاً، ذيلوه بحب الأمة والوطن، فأعداؤنا الكثر بنا متربصون، ينادون علينا بالخراب والظمأ والشتات.