لا زلت أعتقد أننا نخسر الكثير مما نستحقه بفعل فاعل، نخسر بأيدينا لا بيد عمرو، فقط لأنه لا يروقنا أن يُحسب النجاح لهذا أو ذاك، نريده لأنفسنا، لا لأحد سوانا، وقد نشأتْ هذه الأنانية البغيضة نتيجة جملة من المعطيات، التي نحتاج في حلها إلى القيادات الإدارية القوية التي تستطيع أن تفرض أسلوبها وطريقتها بكاريزما القيادة، وسأستعمل هنا الشأن الرياضي كنموذج، على رياضة كرة القدم على وجه التحديد. المنطق يقول : إنه وبحكم تعدد الخبراء في هذا الشأن ووفرتهم، أن يساهموا بدورهم مع جهود الرئاسة العامة لرعاية الشباب لن تتسنّم الرياضة السعودية ليس بطولات الخليج وحسب، وإنما تزاحم وبقوة في المنافسات الدولية، غير أن الذي حدث كان دون المأمول بكثير، وخاصة حينما كان المنتخب قاب قوسين أو أدنى من تحقيق البطولة. ولنفهم الواقع بدون أي تمويه أو بحثٍ عن كبش فداء كما جرتْ العادة، يلزم أن نعود إلى ما قبل لقاء منتخبنا مع منتخب قطر، وأثناء مناقشة أسباب عزوف الجماهير عن حضور مباريات المنتخب في مظهر لا يستقيم أبدا مع عشق تلك الجماهير للرياضة، وكرة القدم بالتحديد، لنجد أن كل ما كان يدور في أروقة الرياضيين ومنتدياتهم، وكل ما يسيل من أقلامهم، وما تزداد به حناجرهم، هو لماذا يُضمّ هذا اللاعب، ولماذا لم يُبعد ذاك ؟ ولماذا تمّ اختيار ذلك العدد من هذا النادي، ولم يتم اختيار نفس العدد من ذاك النادي؟ وعندما ارتفعتْ وتيرة المطالبة بنبذ التعصب للأندية، والانتصار للوطن، وبلغ المنتخب بصرف النظر عن الطريقة المباراة النهائية، عاد الفرقاء (بعد أن استحوا على دمّهم) من اتساع دهشة إخوانهم الخليجيين الذين يعرفون كيف تمتلئ المدرجات السعودية في مباريات الأندية، وتساؤلاتهم : أين تلك الجماهير عن مباريات المنتخب؟ عادوا ليقطعوا البث على بعض موجة ال FM مؤقتا والتي ما كان يصل بثها إلا لساحات ملاعب أنديتهم، ليستخدموا الموجة القصيرة ليطالبوا الجماهير بمؤازرة (منتخب الوطن) صار منتخب وطن ، ووقعوا بيانات المؤازرة المشتركة، وشحنوا (الباصات) من كافة المناطق، وكأن المنتخب لم يستقرّ في وجداناتهم إلا عشية المباراة الختامية، ولكن بعد ماذا .. بعد خراب مالطا؟ حدث هذا فقط لستر عورات غيابهم أمام أنصارهم ومتابعيهم وقرائهم فيما لو فاز المنتخب ولو بضربة حظ، في حين أن كل واحد منهم كان يعرف أنه يُريد منتخبا ولكن بلون ونكهة ناديه. لقد تشظى المشهد الرياضي منذ زمن ظهرت فيه موجة التعصب الرياضي، ولم يكن بوسع قميص المنتخب بلونيه الأخضر والأبيض عند العديد من الجماهير أن يطمس أو يُخفي على الأقل بقية الألوان، لأن هنالك من جعل ألوان الأندية صبغة جلدية لا يُمكن أن تُخفيها الأقمشة، ولأن سوق الإعلام الرياضي امتلأ بالأحبار الملونة، وكأنه استنكف الحبر الأخضر فلم يُوفره لعدم وجود من يشتريه أو يستخدمه بفضل تعدد الألوان التي تنافسه وتبزّه. أنتهي : إذا كنا نعتقد أن الأندية لا تصبُ في وعاء الوطن .. فلا خير في هذه الرؤية، ولا في من يجري خلفها، فالأندية أنشئتْ من أجل لملمة الشباب وتشجيعهم على المنافسة الشريفة، كما أريد أن أهمس في آذان الجميع : أن سلّموا لي على الروح الرياضية إن عثرتم عليها تلفظ أنفاسها تائهةً في علبة ألوان، أو مكسورة تحت المدرجات، أو مهملة كخرقة "تمسيح" في غرف تبديل الملابس التي ما استطاعتْ أن تٌبدّل ولو لبعض الوقت ملابس أنديتكم بقمصان الوطن!.