عندما كنت في مثل عمر ابني، كان التميُّز أن تشتري أفخر الثياب وأفخم الأثاث، غالبًا، إن لم يكن دائمًا، بالتقسيط غير المريح، لا للتاجر ولا لنا. أثث ابني شقة غاية في الأناقة من عند «آيكيا». المخزن «الشعبي» للمفروشات حول العالم. وقبل فترة، كنت في جنيف واحتجت إلى ثياب قطنية، فقلت: لماذا لا أجرِّب مخازن ابني؟ اشتريت بضعة قمصان من عند «H&M» بأسعار غابت عني منذ زمن. ولم تكن المفاجأة في السعر، بل في النوعية. وكنت أعتقد أن المتجر بريطاني، لكنني اكتشفت أنه أيضا سويدي مثل «آيكيا». وفي جنيف أيضًا، دخلت إلى مكتبة ورقيات تعرض أجمل التصاميم وأعقلها أسعارًا، فإذا بها من شغل السويد: الجماليات والضرورات بثمن مقبول. وفرحت إذ قرأت أن أسهم الشركات المعقولة ارتفعت هذا العام مقابل الصناعات الباهظة. وكان ابني قد روى لي أنه التقى ديفيد كاميرون عند «آيكيا» يجر عربة أمامه. وسواء كان ذلك ضربًا انتخابيًّا أم تصرفًا صادقًا، فهو دليل على أن زمن الكنبات المذهبة، والمرايا الساطعة، لم يعد دارجًا. تبلغ مبيعات «آيكيا» نحو 30 مليار دولار في العام، فتزين مالكيها وتوفر على زبائنها. ما هو السر؟ أدرجت وزارة التربية اللبنانية في برامجها مقالاً قديمًا لي حول السر الذي غيّر النمط الاستهلاكي في العالم: زجاجة الكوكاكولا وسيارة فولكس فاغن (الخنفساء). وعندما غيّر «البيتلز» تاريخ الغناء الغربي، أطلقوا على أنفسهم اسم «الخنافس». أحيانا، السر الكبير في التصميم الجديد. أو في عبقرية التوفير. من أجل أن تبيعك «H&M» قطعة رخيصة، تقوم بتصنيعها في بنغلاديش. اقتصاد غني يساعد اقتصادًا فقيرًا، وكلاهما يساعد مستهلكًا متوسطًا. هذا ما رأيته وما كتبت عنه يومها في فلوريدا، إذ وجدت أن جميع الأسماء الفخمة تصنع بضاعتها في دول أميركا اللاتينية الفقيرة. كان هذا يحدث على نطاق مشفق في سوريا ومصر من قبل. وذلك بسبب قيود صدئة لم يعد لها وجود، أو معنى، في العالم أجمع. لذلك، سبقت تايوان الصناعات. وكان المسرحي السوري سعد الله ونوس يقول: لكل شاعر مرموق مائة شاعر صيني