قد تعبر أمام مكانٍ قديم، مرّت بك قصةٌ أو قصص فيه، وقد تنظر بحزنٍ كبير إليه، وتسأل أي شيءٍ تغير! أي شيءٍ أصاب الأيام في خاصرتها لتقذف بالأشياء بعيداً إلى هذا الحد، وتمشي بتثاقل كأنك تعبر بين جدرانٍ طينية في قريتك الأولى، في كل موضع خطوة تقفز في عينيك حكايا وأحداقٌ تذوب سريعاً في جماجمها وتختفي. لا بدّ من بعث القروي الذي في قلبك، لأنك وفي كل مرة تعرف أن العالم يندفع نحو زيفٍ وفراغٍ مهولين، وربما لن يكون بوسعك يوماً ما أن تصدق أحداً ولا شيئا، فتدارك حواف الوادي واقفز كأنك ستعبر سيلاً. رمّم أمكنتك المهجورة، عد إليها من حينٍ إلى حين، فلا تدري، قد لا تجد مخبأً ذات يومٍ سواها. الناس ما عادوا يحشرون أكمام سواعدهم كي يتشاركوا فلاحة أرض ولا سقيا بستان، إنهم يحشرون أكمامهم ويتأهبون للخصام في أية لحظة.. ويوماً وراء يوم ينفخون في بالونٍ كبيرٍ هواء الضغينة، كلما تعب فمٌ التقم فوهة البالون فمٌ آخر، ولا بد أخيراً أن ينفجر هذا الهواء الحارق، ويلفح وجوه الجميع. لو كنت تعرف شعراً كثيراً، انسه. ستعرف أن القصائد ليست زينة. لو كنت تعرف الطرقات عن ظهر قلب، ضِع، ستعرف أن المشي من أرضٍ إلى أرض فِلاحة. ولو كان جسدك مأهولاً بروحٍ عمرها دهر.. فلن تقوى على أيٍ منهما، لا الروح المعمرة، ولا الجسد المأهول. ستجد كلماتٍ لا يصير شيءٌ منها صالحاً لأي ماض. قلها ولو على سبيل الظرف. حدث وولدت في بيتٍ مسقوف بجذوع شجر؟ حجارة؟ أو حتى سعف نخيل؟ هل صادفت سقوفاً اطلب من شخصٍ تثق به أن يدفنك، بلا أسى، ولا حتى أدنى إشفاقٍ أو وصية، لأنك فراغ. فكّر لو أنه صار لك أن تكون في غرفة، بابها يفتح على حديقة، سقفها قصص مقدودة من غابة، ومساحتها على مقاس رئتين، ثم إن قلقاً يشغل روحك كي تترك أثراً. حسناً أنت تعرف شعراً كثيراً ونسيته، تعرف أن القصائد ليست زينة، ومهما حفظت من الطرقات فقد أيقنت أن الأرض أعمق وأشهى، أكبر وأبقى منك. أنت قدرٌ يطل على الحياة، أنت شيءٌ يومض في اختناقٍ وعتمة.. وهذا ما لم ترده، هذا هو أنت.. رغماً عنك. وهكذا تثيرك البيوت المسقوفة بجذوع الأشجار، ينال منك البستان والحقل، تتمنى لو أنك خُلقت "خيالاً".. في زرعٍ جاهزٍ للحصاد!