×
محافظة المنطقة الشرقية

المقيرن وميديا برو يوقعان عقد شراكة الاستثمار الرياضي والإعلامي

صورة الخبر

لئن كان الترقي في مدارج العلم والمعرفة ميزة للنابغين علمياً، ومطمحا للمميزين معرفياً، فإن هذا الترقي حين يرتبط بشخصية كاريزمية تؤثر في مساحة شاسعة من الجماهير سيحدث - وضمن صيرورة حتمية - ردة فعل مساوية لها في القوة ومعاكسة لها في الاتجاه، بمعنى أن التأثير الحادث في الجماهير سيرتد إلى المؤثر، وهنا يحدث الارتباك الذي يفضي دائماً إلى التغير في المواقف والأقوال إلى الدرجة التي تتناغم وتتماهى مع عاطفة الجمهور، وليس عقل المؤثر ومدى قناعته الثابتة الفائتة تجاه قضية ما. لطالما كونت سلطة الجماهير أنماطاً متشابهة ونماذج كربونية من أولئك الذين يتصفون بالاستعلاء المعرفي، هذا الاستعلاء الذي بات علامة مسجلة يمكن لنا أن نطبعها ختماً بارزاً على شخصيات عديدة، ربما نراها تختلف في مستوى وطبيعة الخطاب، بيد أنها تتفق حد التشابه المطلق في كثافة ذلك الاستعلاء المقيت. ربما يكون لذلك الاستعلاء إرث تاريخي أو لون طيفي أو أرضية مشتركة، أو يكون نابعاً من أضواء الشهرة المبهرة، هذه المكونات وغيرها حين تتكالب يبقى من الصعوبة الفكاك من شراكها، وتدخل الشخصية وقتها في حسابات الربح والخسارة، وبطبيعة الحال الاحتفاظ بتلك المكتسبات المادية والجماهيرية والعض عليها بالنواجذ، وهنا تتأثر المبادئ وتميع الثوابت بشكل قسري وجذري نحو الإذعان للعاطفة الرغائبية والاستجابة الآلية لسلطة الجماهير. من جانب آخر، كان ولا يزال أصحاب الخطاب النخبوي - أيا كان هؤلاء - يرون في أنفسهم وإن لم ينتبهوا لذلك أو أنهم في حقيقة الأمر يعون أنهم في منطقة تتصف بالأبراج العاجية، ولكنه انتباه تغطيه الحيل النفسية واللحظية، فيبقون في منطقة ضبابية وهلامية فيتوارون خلف مستوى من العلم والفهم، ولكنه ليس الفهم والعلم الذي ينفع الناس غالباً، بل بما يحقق لهذه الشخصية أو تلك من رصيد وهمي. ويبقى في حكم المؤكد أن الغرور مقبرة المشهورين، فكم من مؤثر كان يشار إليه بالبنان وتسير إليه الركبان، بات أثراً بعد عين. على أن ثمة أمرا متواترا، وهو أن هناك من يبتعد عن محطات الأثير والفضائيات ومنصات الإعلام والتأثير فتأتي إليه الشهرة صاغرة، وهؤلاء غالباً ما تتزايد شعبيتهم بمتواليات هندسية، ويصبحون في لمح البصر من الأعلام، ولكنهم يحافظون على مبادئهم ونوع خطابهم مهما بلغت التحولات والمغريات، إنهم يمثلون نبضاً حقيقياً وصادقاً للأحداث التي حولهم، وصوتاً واضحاً وشفافاً لكل قضية ومطلب. ولي أن أراهن على مستوى الوعي الذي وصل إليه الجمهور بعد مخاضات متعاقبة وتجارب متواصلة وخيبات مستمرة، ذلك الوعي الذي مكّن الجمهور من امتلاك المقياس الدقيق الذي يفرقون به ومن خلاله الغث من الثمين. إن من أسوأ مآلات الاستعلاء العلمي والمعرفي شعور الشخص الرمز أنه يمتلك الحقيقة الكاملة المطلقة، وأنه الأحق باعتلاء المنابر والصدح بالحق الذي يقتنع به ويراه هو، وأن الجمهور ما هو إلا حفنة من الغوغاء الذين لا يملكون لأنفسهم نفعاً ولا ضراً، وهذا كله يكوّن لتلك الشخصية البراجماتية المشوهة أن لها الحق المطلق للحديث بالإنابة عن الناس؛ لأن هؤلاء الرموز يرون - وبمبررات فجة - أن الناس لا يفهمون واقعهم ولا يعرفون مصلحتهم، وهنا يأتي السؤال المهم: من الذي وكّل أولئك ليكونوا متحدثين باسم المجتمع؟ ومن الذي أصدر لهؤلاء الأدعياء صك الولاية ووثيقة الوكالة ليصيروا في موقع المحاماة عن الناس ومصالحهم؟ وهل حين يدغدغ أحدهم المشاعر والأحاسيس ويشعل نبرة الحماس السلبي، هل هو حقاً يسعى لتحقيق مطالب الجمهور، أم يسعى إلى تحقيق مكاسبه الوقتية وأجندته الخاصة؟ إلى متى يمارس هؤلاء الاستلاب والوصاية على الناس؟! ولا شك أنه بقدر ما يكون الشخص المؤثر متجرداً ونقياً وعلى مسافة واحدة من الجميع رغم الاختلاف، بقدر ما يكون قريباً من القبول ومن تحقيق الخير لنفسه ولمن حوله، وبقدر ما يكون متعصباً ومنحازاً وله آراء ذاتية وغايات نفعية ترفض الانزياح إلى الحق والنفع العام، بقدر ما يلفظه القريب قبل البعيد. أكرر رهاني على وعي المجتمع والجماهير في هذا الوقت وأكثر من أي وقت مضى في تمييزهم الدقيق بين النقيضين، فشتان بين الأصوات الجميلة الزكية النقية، وبين الأصوت النشاز المقنعة المتلونة.