التفكير بعمق د. سعود المصيبيح عندما يكون الإنسان ذا حس نقدي لا يقبل الأمور التافهة، فيري الكون بقدر جمال من ابدعه ، لتخلق منه ظروف الحياة وتقلبات الدهر إنساناً اكثر فطنه، فلا يقرأ منه البعض الا الابتسامة بسخرية، ذلك لانه يري الأمور علي حقيقتها وبدون أغلفة؛ لأن التفكير بعمق لايدرك أغواره السطحيين، او العامه من البشر ممن يصدرون أحكامهم دون مشقة عناء في الإبحار المعرفي؛ خاصة عندما يتزامن مع آراء حاقدة، تنفخ في سبيل الإساءة إلى الشخص، فإن هذا قد يؤدي إلى أن يخسر الفرد جولات وجولات في السعي نحو مطالب النفس البشرية في ظاهر الامر ، ولكنه يكون موقنا يأن المحاولات الجادة المحفوفة بالإخلاص في العمل ستكون محفوظة في سجل الهي لا يستطيع الوصول اليه العابثين من البشر . التفكير بعمق يقودك إلى التعرف علي انسانيتك والتي منها يقظة الضمير الحي، وإلى المحاسبة الصادقة للنفس، وعدم قبول تبريرات الأخطاء والقصور والنقص.. وعندها ستنظر إلى حياتك بسوداوية، وإلى أعمالك بتشاؤم، وتفقد قيمتك كإنسان لتصبح بشرا تحكمه الدونيه ولا يبقي من جمال إنسانيته الا الغلاف، كما ستشمئز من حياة الازدواجية والكذب والخداع والنفاق والتنازل عن مبادئ الإصلاح والقيم التي تتطلع إلى السمو والصدق، البعيدة عن مطامع الدنيا وترف الحياة.. عندها سيؤدي بك هذا التفكير بعمق إلى انتفاضة فكرية ويقظة للنفس اللوامة؛ حتى تهدم من خلالها كل ما بنيت من درجات شهوانية في سلم الحياة الزائل حيث المكاسب المترفة والأطماع البراقة فتوي وتلمس جمال الباطن.. وقد يؤدي بك التفكير بعمق إلى الانزواء والخلوة وتجربة حياة الهدوء والسكون البعيدة عن القلق والتوتر والاتصالات والمتابعات.. وعندها ستشعر بلذة عجيبة، هي لذة راحة البال والخلود إلى مجتمعك الصغير وتماسكه مخلفاً بريق العمل وأضواء الجاه ومتطلبات المنصب خلف ظهرك، ومقترباً أكثر من البسطاء والناس العاديين الذين منهم بدأت، وإليهم تنتهي، والذين في حياتهم السماحة والبشر والهدوء وراحة البال والقناعة والرضا بالقدر خيره وشره، غير عابئين باللهاث اليومي للحصول على المال والجاه والمنصب بأي طريقة وبأي وضع، تلفهم سحائب الرضا بالقبول، والقناعة بما أعطاهم الله، ودون أن يكونوا سبباً في التضييق على الناس في مصادر أرزاقهم، وحرمانهم من الحياة الكريمة.. إن التفكير بعمق يرفعك إلى عالم من الخيال الممتع الهادئ، الذي قد يؤلمك، لكنه يجلب لك راحة البال وسكينة الفؤاد.. إن التفكير بعمق يجعلك تأسف لمن يبطش ويظلم ويغدر وينسى كل إيجابية ومواقف جميلة وعطاء وإخلاص.. وعندها لا تقول إلا حسبي الله ونعم الوكيل؛ ذلك أنك على قناعة كاملة بأن هناك من يقاضي، ويُصدر الحكم، ويتأثر بالمحيط دون أن يستمع للمتهم، أو يتخذ قراره بعصبية وغضب وردة فعل لسلوك معين دون تروٍّ وحكمة وتبصر؛ لأنه حينها يفتقر للتفكير بعمق الذي من خلاله تستطيع ان تحلق بكل أمان فتلمس أعالي السحب وتحقق نجاحات الحياة في مسارات غير اعتيادية لم يكتشفها العامة من البشر.