وفق رؤية المملكة 2030، تعتبر الثقافة مكونًا رئيسيًا في برنامج تحسين جودة حياة المواطنين والمقيمين، ويتمحور عمل الحكومة حول انتقال المملكة نحو مستقبل أكثر حداثة واستدامة مع الحفاظ في الوقت نفسه على إرثها الحضاري، وأمام هذه الأهمية الكبرى للتراث، تواصل المملكة التركيز والتوسع في أنشطتها الثقافية على كافة المستويات. وكما تمتاز الحياة في المملكة بالتنوع الثقافي فهي تمتاز أيضًا بالتنوع الاجتماعي الذي يشكل ثراءً ثقافياً ساهم في رسم هوية غنية لسكان المملكة، البالغ عددهم أكثر من 36 مليون نسمة، وتنقسم المملكة إلى ثلاث عشرة منطقة إدارية، توحدها اللغة العربية، وتتفرد كل منطقة منها بلهجاتها الخاصة، وعاداتها وتقاليدها. ويعتبر التراث العمراني من ثقافة وهوية المدن والمجتمعات، وهو مفهوم يتضمن العناصر الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية والعمرانية، وهو الجانب المادي من التراث الحضاري، ويمثل ذاكرة الأمة بكل ما فيها من أحداث تمت على مر التاريخ، وتأثرت بالظروف الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والبيئية، ويعكس عمق التفاعل الإيجابي للإنسان مع البيئة المحيطة. [دليل المحافظة على التراث العمراني، 1426هـ. وزارة الشؤون البلدية والقروية] ولما يستلزمه التراث العمراني من اتخاذ نهج وأساليب إعادة تأهيل وتطوير وتنشيط مواقعه والحفاظ على النسيج العمراني Urban Preservation والصفات الأساسية للمناطق التاريخية والحضارية وكيفية توظيف عناصرها وتفاعل الإنسان معها.[ https://www.marsam.sa ] ونظرًا لما تشهده المملكة من اهتمام واضح بالتراث العمراني الوطني والذي يعد جزءًا أساسيًا من هويتنا وثقافتنا وضرورة تعزيز الوعي بأهمية التراث وقيمته، وحيث يعد الدور الثقافي الحيوي للتراث العمراني والحضري أكثر أهمية من أي وقت مضى، كونه ماضي سبقنا وحاضر نعيشه ومستقبل للأجيال القادمة. وفي ضوء الأهداف الإستراتيجية لرؤية المملكة 2030 يأتي الهدف العام «تعزيز القيم الإسلامية وتعزيز الهوية الوطنية» والهدف التفصيلي «المحافظة على تراث المملكة الإسلامي والعربي والوطني والتعريف به»، ويسعى الُبعد الثامن في برنامج التحول الوطني 2030 إلى تسويق المملكة كوجهة سياحية إقليمًيا وعالمًيا من خلال تطوير بنية تحتية متقدمة وإعداد الأنظمة والتشريعات اللازمة، وبناء القدرات المؤسسية، مما يسهم في خلق فرص وظيفية متنوعة وزيادة مساهمة القطاع السياحي في الاقتصاد العام للمملكة. كما يُعنى البعد بالتراث الإسلامي والعربي والوطني من خلال إحيائه والمحافظة عليه والتعريف به وتصنيفه وتسجيله ضمن قائمة المواقع التراثية المعترف بها عالمًيا.. وتظهر أهمية التراث العمراني والمحافظة عليه كمورد اقتصادي وسياحي وأساس لتنمية المجتمع المحلي والمحافظة على الثقافة المحلية والهوية العمرانية وترسيخ مفهوم الحفاظ على التراث العمراني ونقله للأجيال القادمة، وتشجيع الاستثمار فيه من مشروعات إعادة تأهيل وتجديد وتطوير مواقع التراث الوطني. وتسعى الجهات ذات الاختصاص إلى الحفاظ على الثراء التاريخي والتراثي، وتسجيل المواقع الأثرية والتراثية في قائمة التراث العالمي(اليونيسكو)، وإبرازها للعالم، وقد تم تسجيل 6 مواقع حتى الآن، تميزت بقيمتها التاريخية والتراثية التي جعلتها تتأهل لتكون مصدر إشعاع حضاري وجذب سياحي متميز على مستوى العالم، وهي: 1- مدائن صالح وهي مدينة الحِجْر، وتقع في محافظة العلا التابعة لمنطقة المدينة المنورة، وفي عام 2008 أعلنت منظمة الأمم المتحدة للعلوم والتربية والثقافة، أنّ مدائن صالح موقع تراث عالمي. 2- جدة التاريخية بُنيت منطقة البلد «جدة التاريخية» على أرض ساحلية جذابة، جعلتها مركزًا بشريًا يضم العديد من الثقافات عبر السنين. وتكشف هذه المنطقة الستار عن تراث إنساني، قاومت أسواره العوامل التاريخية بثمانية بوابات عُرفت بقصصها التاريخية، إلى جانب أكثر من 10 بيوت أثرية يُشاد بتصاميمها المميزة وأسماء أسرها العريقة، وقد جاءت موافقة لجنة التراث العالمي بمنظمة اليونيسكو باعتماد منطقة جدة التاريخية ضمن قائمة التراث العالمي في عام 2014. 3- حي طريف في الدرعية الموقع التراثي السعودي الثاني، الذي ينضم إلى قائمة التراث العالمي لمنظمة الأمم المتحدة للعلوم والتربية والثقافة (اليونسكو) في عام 2010، ويحمل حي الطريف الذي أسس في القرن الـ15 آثار الأسلوب المعماري النجدي الذي يتفرد به وسط شبه الجزيرة العربية. 4- الرسوم الصخرية في حائل تُعد مواقع جبة وراطا والمنجور، يمتلك شعب المملكة العديد من القيم الاجتماعية المستمدة من قيمها الإسلامية والتي تحافظ على عادات وتقاليد المملكة العريقة، بما في ذلك الكرم والضيافة والحفاظ على العلاقات الأسرية والعزيمة والشجاعة. 5- الشويمس في منطقة حائل، من أهم وأكبر المواقع الأثرية في السعودية التي يعود تاريخها إلى أكثر من 10 آلاف سنة قبل الميلاد. 6- واحة الأحساء من أكبر وأشهر واحات النخيل الطبيعية في العالم من خلال أكثر من 3 ملايين نخلة منتجة لأجود التمور تحتضنها الواحة بين ثناياها، كما تتمتع بموقع جغرافي مهم أهلها لتقوم بدور كبير في تاريخ المنطقة. 7- آبار حمى، وهي تعد من أهم المواقع الأثرية في نجران، وهو طريق يمتد بين 6 آبار صخرية، والذي كانت تمر من خلاله القوافل التجارية القادمة من جنوب الجزيرة العربية إلي شمالها للتزود بالماء من الآبار خلال السفر، وهي من أهم مواقع الرسوم الصخرية. وقد حرصت الدولة على حماية مواقع التراث الوطني والتوعية بأهميتها محليًا وعالميًا، بهدف تنشيط كلٍ من السياحة الداخلية والسياحة الخارجية.. ولا شك أنّ السياحة الدينية في رؤية 2030، تمثل واحدة من أهم مقوماتها. وهكذا نجد أن الرؤية المستقبلية في دور التنمية الحضرية المستدامة للتراث العمراني في المملكة رؤية متفائلة وتسهم في أن تجعل التراث العمراني يربط ماضينا بحاضرنا ومستقبلنا.