×
محافظة ميسان

إضراب المعلمين يسلط الضوء على الوضع المزري للتعليم في العراق إنذار للسلطات بشأن الاحتقان الاجتماعي مع اقتراب الموسم السنوي للاحتجاجات الشعبية.

صورة الخبر

حالة التعليم في العراق بما شهده هذا القطاع الحسّاس والمصيري من تراجعات كبيرة أصبحت بمثابة نموذج ومؤشّر على تراجع الدولة العراقية ككل في مختلف المجالات، بسبب النظام السياسي القائم بقيادة قوى دينية صبغت الدولة بصبغتها الأيديولوجية ونشرت الفساد في مفاصلها وعطلت آليات التنمية والتقدم فيها. بغداد - أعاد إضراب عن العمل بدأه معلمو العراق تسليط الضوء على الحالة المزرية التي بلغها التعليم في البلاد وتشمل هشاشة أوضاع المدرسين وضعف البنى التحتية وتراجع مستوى المناهج والمحتويات وهي عوامل اجتمعت لتجعل من العملية التعليمية مظهرا للتراجعات الكبيرة التي عرفتها الدولة العراقية بشكل عام وفي مختلف المجالات. وأعلن المعلمون الأحد دخولهم في إضراب عام عن الدوام في المدارس للمطالبة بتحسين ظروفهم المعيشية وتعديل سلم رواتبهم التي لا تتلاءم ومستويات المعيشة في البلاد. وكثيرا ما يقارن المشتغلون في قطاع التعليم في العراق بين ظروفهم المهنية والحياتية بشكل عام وظروف شرائح أخرى من بينها على سبيل المثال منتسبو قوى مسقطة على الدولة مثل عناصر الميليشيات التي تحظى بدعم قوى متنفذة في الدولة دائمة الدفاع عن الامتيازات والمكاسب المادية لتلك العناصر. ويواجه المدرّسون في مختلف فروع التعليم العام العمل برواتب متدنية والعمل في ظروف غير آمنة وبوسائل مادية ضعيفة بدءا بالحالة المزرية للمدارس ونقص الفصول الأمر الذي يتسبب في اكتظاظها بحيث تستوعب في بضع الأحيان ضعف ما يمكن أن تتسع له من طلاب وتلاميذ. محمد الساعدي: لا توجد إرادة سياسية لتحقيق المطالب المشروعة للمعلمين محمد الساعدي: لا توجد إرادة سياسية لتحقيق المطالب المشروعة للمعلمين ونظمت الهيئات التعليمية وقفات احتجاج واعتصامات أمام المدارس ومديريات التربية في المحافظات حمل المشاركون فيها أعلام العراق وهتفوا بشعارات تتضمن مطالبهم. وحملت احتجاجات المدرّسين مؤشرات سلبية لحكومة رئيس الوزراء محمّد شياع السوداني بشأن حالة الاحتقان الشعبي والغضب الاجتماعي واللذين سبق أن تطورا في سنوات سابقة إلى اضطرابات واسعة النطاق في الشوارع تحوّلت سنة 2019 إلى انتفاضة شعبية عارمة بوجه نظام الأحزاب الدينية. ومن المقرّر أن يستمر الإضراب، بحسب منظميه، حتى الثلاثاء لحين حسم تنفيذ مطالب المضربين خلال الجلسة الأسبوعية للحكومة العراقية. وأغلقت الآلاف من لمدارس أبوابها مع ساعات الصباح الأولى وامتنع المعلمون والمدرسون عن الانتظام في الدوام وتقديم حصصهم الدراسية وفق الجدول الأسبوعي. وكانت وزارة التربية دعت إدارات المدارس وأقسام المديريات العامة للتربية في المحافظات كافة إلى الالتزام بالدوام الرسمي والعمل على إكمال المناهج الدراسية والحصص اليومية المقررة للعام الدراسي الحالي بعد تصاعد الدعوات إلى تنظيم وقفات احتجاجية. وأعلن نائب رئيس البرلمان العراقي محسن المندلاوي دعم مطالب المعلمين وأن البرلمان يقف مع المطالب المشروعة لشريحة المدرّسين والمشرفين التربويين، داعيا إلى توفير الحد الأدنى من الاستقرار المجتمعي والمعيشي لهذه الشريحة. كما أعلن وزير التربية إبراهيم نامس في بيان صحافي أن الجلسة الأسبوعية للحكومة العراقية التي ستعقد الثلاثاء ستستضيف نقيب المعلمين العراقيين عدي العيساوي لمناقشة مطالب المعلمين. السلطات العراقية تخشى أن تنتقل "عدوى" الإضرابات من قطاع التعليم إلى قطاعات أخرى لا تقل أوضاع منتسبها سوءا غير أن الإشكال الذي بدأ بالظهور في طريق جهود التهدئة التي تبذلها الحكومة تمثّل في أنّ حركة الإضراب غير مؤطرة نقابيا رغم مساندتها من قبل قيادات نقابية. وفي هذا السياق بادر معلمون مضربون عن الدوام في محافظة ميسان بجنوب العراق إلى إغلاق مقر نقابة المعلمين في المحافظة، معلنين مواصلة احتجاجاتهم حتّى تلبية مطالبهم. وتركّزت حركة احتجاج المدرّسين بشكل استثنائي في محافظات وسط وجنوب العراق وهي المحافظات التي كانت دائما موطن الاحتجاجات على سوء الأوضاع المعيشية وتردي الخدمات العامة وفساد السلطات. وشهدت محافظات ميسان وواسط والبصرة وكربلاء وبغداد والديوانية اعتصامات للمعلمين أمام مباني مديريات التربية. ويطالب المعلمون المحتجون بمضاعفة مخصصات المهنة من 150 إلى 300 ألف دينار (حواي 230 دولار) وتوزيع قطع أراضٍ وتشريع قانون حماية المعلم ورفع مخصصات أجور النقل والزوجية وغيرها. وحذّرت نقابة المعلمين في بغداد من تفاقم الأزمة التربوية نتيجة الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يعاني منها المعلمون، والتي دفعتهم إلى تنفيذ إضرابات. ونقلت وسائل إعلام محلية عن نقيب المعلمين محمد الساعدي أن النقابة طالبت مرارا بتحسين الوضع المعيشي وتوفير السكن ورفع أجور النقل إلا أن غياب الإرادة السياسية حال دون تحقيق تلك المطالب. من المقرّر أن يستمر الإضراب، بحسب منظميه، حتى الثلاثاء لحين حسم تنفيذ مطالب المضربين خلال الجلسة الأسبوعية للحكومة العراقية وأضاف أن الاحتجاجات الجارية قانونية ومكفولة دستوريا داعيا الحكومة إلى الاستجابة العاجلة لتفادي المزيد من التعقيد في المشهد التربوي. وتخشى السلطات العراقية أن تنتقل “عدوى” الإضرابات من قطاع التعليم إلى قطاعات أخرى لا تقل أوضاع منتسبيها سوءا، وأن يثير إضراب المدرّسين حماسة الطلاب والزج بهم مجدّدا في الشارع، مع اقتراب الصيف الذي أصبح بمثابة موسم للاحتجاجات الشعبية العارمة في البلاد. ويمثّل قطاع التعليم في العراق مرآة عاكسة لحجم التراجعات الكبيرة التي طالت العراق في ظلّ تجربة الحكم القائمة حاليا بقيادة أحزاب شيعية لم تفشل فقط في تحقيق أي إنجازات تنموية على مدى أكثر من عقدين، بل فشلت أيضا في الحفاظ على منجزات وجدتها متحققة على الأرض بما في ذلك في مجال التعليم سواء في مدى انتشاره بين السكان أو في مستوى وجودة مخرجاته. وتبدأ مشكلة التعليم في العراق حاليا بضعف البنى التحتية وقلّة الوسائل المادية ولا تنتهي بضعف محتوياته وتداخل برامجه، بالإضافة إلى ارتفاع نسبة المتسرّبين منه والمنقطعين عنه في سن مبكّرة. وتلخص الحالة البائسة لبعض المدارس العراقية الوضع الذي آل إليه التعليم في البلد، إذ ما تزال مدارس الصفيح (فصول الطين والكرفانات) منتشرة في بعض المناطق بينما تقول السلطات إن البلد بحاجة إلى إنشاء ثمانية آلاف مدرسة جديدة للتخلص نهائيا من تلك المدارس وحل مشكلة اكتظاظ الفصول. وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة يونيسيف قد سجّلت في تقرير سابق لها محدودية قدرة الحكومة العراقية على تقديم خدمات تعليمية جيدة للجميع مؤكّدة أن واحدة من بين كل مدرستين بحاجة إلى إعادة تأهيل وهو أمر غير ميسّر بسبب عدم تخصيص ميزانيات كافية للنهوض بقطاع التعليم، فيما لفت البنك الدولي من أن أوجه القصور الكبيرة في قطاع التربية على جميع المستويات بالعراق أدّت إلى ارتفاع البطالة بين الشباب وأوجدت تباينا كبيرا بين المهارات ومتطلبات سوق العمل، محذرا من أنّ ذلك يعدّ من العوامل المعرقلة للنمو الاقتصادي في البلد.