لاهاي - دفعت روح التنصل من المسؤولية السياسية الجيش السوداني إلى محاولة إلقاء ما يجري من تطورات سلبية في البلاد على عاتق الإمارات التي قدمت مساعدات سخية للشعب السوداني لم تقدمها دولة أخرى في العامين الماضيين. وأكد لجوء الحكومة السودانية إلى الشكوى أمام محكمة العدل الدولية استكمال الدور السلبي الذي يلعبه الجيش في الأزمة بعيدا عن المنطق الإنساني، والرغبة في ممارسة ضغوط معنوية على الإمارات، اتساقا مع تصرفات قامت بها الخرطوم في الأمم المتحدة ولم تحصل على إجابات أو إجراءات تعزز رؤيتها. ونددت الإمارات بالشكوى السودانية معتبرة أنها “تفتقر إلى أي أساس قانوني أو واقعي، وتمثل محاولة أخرى لصرف الانتباه عن هذه الحرب الكارثية” التي أودت بحياة عشرات الآلاف من الأشخاص وشردت الملايين وتسببت في مجاعة ضمن مناطق واسعة في البلاد. وأبلغ السودان محكمة العدل الدولية بأن الإمارات كانت “القوة الدافعة” إلى ما أطلق عليه مصطلح “إبادة جماعية” في دارفور من خلال اتهامها بدعم قوات الدعم السريع التي تخوض حربا ضارية ضد الجيش منذ نحو عامين، شهدت هبوطا وصعودا في العمليات العسكرية، وانتصارات وانكسارات لكل طرف. أنور قرقاش: الدعوى التي رفعتها القوات المسلحة السودانية لا تعفيها من مسؤوليتها حيال الأزمة الكارثية أنور قرقاش: الدعوى التي رفعتها القوات المسلحة السودانية لا تعفيها من مسؤوليتها حيال الأزمة الكارثية وزعم وزير العدل السوداني بالوكالة معاوية عثمان في مستهل جلسات المحكمة الخميس أن الدعم الذي قدمته الإمارات لقوات الدعم السريع والميليشيات الحليفة لها “يبقى المحرك الرئيسي لعمليات قتل واغتصاب وتهجير قسري ونهب.” وطالب المستشار الدبلوماسي لرئيس دولة الإمارات أنور قرقاش، في مقال نشره موقع "سي إن إن"، بمسار جاد نحو السلام، قائلا “لا تزال القوات المسلحة السودانية تتهرّب من أيّ مساعٍ لإنهاء الحرب، وتواصل تصعيدها، لقناعاتها بإمكانية الحسم العسكري، دون اعتبار لحجم المعاناة الإنسانية التي تجاوزت كل الحدود، مع الاستمرار في محاولاتها تحميل الآخرين مسؤولية ما اقترفته.” ويواصل الجيش السوداني حملته الممنهجة ضد دولة الإمارات بحجج مكررة وواهية، في مسعى لصرف الأنظار عن إخفاقاته الداخلية والتهرب من مسؤولياته تجاه الأحداث التي قادت إلى هذه الحرب العبثية، التي جاءت بقرار من الجيش والميليشيات الإخوانية المساندة له، وانقلابه على الحكم المدني، واختيار الحرب لحسم الخلاف مع الدعم السريع والرفض المتكرر لوقف إطلاق النار والحل السياسي. وأكد أنور قرقاش أن الدعوى التي رفعتها القوات المسلحة السودانية إلى محكمة العدل لا تعفيها من مسؤوليتها حيال الأزمة الكارثية ومن المسؤوليات القانونية والأخلاقية الناجمة عن ممارساتها الإجرامية، حيث قامت هيئات دولية موثوقة، بما فيها الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان والوكالات الإخبارية المعروفة، بتوثيق جرائم الحرب المرتبطة بالجيش وشملت القتل الجماعي للمدنيين والهجمات العشوائية على المناطق المكتظة بالسكان والعنف الجنسي، وغير ذلك. اقرأ أيضا: الإمارات في مواجهة ادعاءات الإخوان في السودان وقال المحلل السياسي السوداني سليمان سري لـ”العرب” إن خطوة اللجوء إلى محكمة العدل مثلت مفاجأة سلبية للشعبين السوداني والإماراتي، وأثارت التساؤل عن توقيتها ودوافعها الحقيقية، لأن العلاقات بين الدول مبنية على المصالح المشتركة. وأضاف أن طريق العدالة الدولية طويل وشائك ومعقد وقد يستغرق سنوات مع عدم وجود آليات تنفيذ مُلزمة، ما يعني أنه لا جدوى من وراء الخطوة، التي لا تهم الشعب السوداني، في وقت يحقق فيه الجيش انتصارات على عدة جبهات واستعاد الكثير من الأراضي، ما يجعل خطوة محكمة العدل أشبه بتحرك إعلامي شكلي. واعتبر سري اللجوء إلى محكمة العدل هروبا من معالجة جذور الأزمة وتغذية رواية المؤامرة الخارجية، بدلاً من الوقوف أمام الذات ومواجهة الأخطاء البنيوية التي أوصلت السودان إلى هذه الحالة الكارثية، لأن طرفي الحرب لا يحترمان معايير القانون الدولي الإنساني وقواعد الاشتباك لكونها تدور في أوساط مدنيين. ويقول متابعون إن الحكومة السودانية استندت إلى قضية واهية لدعم اتهامات رددتها من قبل بغرض تبرير هزائم عسكرية لحقت بقواتها في الأشهر الأولى للحرب، لكن تفوق الجيش مؤخرا واسترداده الخرطوم يدحضان هذه الاتهامات تلقائيا. ويشير خبراء قانونيون إلى أن قضية السودان سوف تتعثر بسبب مسائل الاختصاص القضائي، وعندما وقّعت دولة الإمارات اتفاقية الأمم المتحدة لمنع الإبادة الجماعية، أدخلت تحفظا على بند رئيسي يُمكّن الدول من ملاحقة إحداها الأخرى أمام محكمة العدل الدولية بشأن نزاعات. سليمان سري: اللجوء إلى محكمة العدل هروب من معالجة جذور الأزمة وتغذية رواية المؤامرة الخارجية سليمان سري: اللجوء إلى محكمة العدل هروب من معالجة جذور الأزمة وتغذية رواية المؤامرة الخارجية وكتب خبير القانون الدولي من كلية ترينيتي في دبلن مايكل بيكر، في مقال نُشر أخيرا على موقع “أوبينيو جوريس”، بما أن الإمارات العربية المتحدة أبدت تحفظا على المادة التاسعة عند انضمامها في 2005 إلى اتفاقية الأمم المتحدة لمنع الإبادة الجماعية “يحتمل أن تخلص محكمة العدل إلى عدم اختصاصها في النظر في هذا النزاع.” وشدد سليمان سري في حديثه لـ”العرب” على أن السودان يمر بمنعطف خطير يتمثل في وجود شبح التقسيم الذي يلوح في الأفق، والأولوية لوقف معاناة الشعب وحماية المدنيين بصورة عاجلة، وأن العودة إلى التفاوض عبر منبر جدة يجب أن تكون من الأولويات للوصول إلى اتفاق ينهي الحرب ويفضي إلى الدخول في عملية سياسية تقود إلى انتقال سلمي ديمقراطي. وذكر سري أن اللجوء إلى محكمة العدل الدولية يأتي في وقت تستمر فيه الاستثمارات الإماراتية داخل السودان، ما يؤكد أن الشراكات الاقتصادية قائمة ولم يتم تجفيفها، ودولة الإمارات لم تتخذ خطوات تصعيدية تجاه وقف التعاون الاقتصادي. وبلغت قيمة المساعدات الإنسانية الإماراتية المقدمة للشعب السوداني منذ بدء الأزمة الراهنة 600.4 مليون دولار، بما في ذلك 200 مليون دولار تعهّدت بها الإمارات في المؤتمر الإنساني رفيع المستوى من أجل الشعب السوداني، وعقد في أديس أبابا في فبراير الماضي، ليصل بذلك مجموع ما قدمته الإمارات من مساعدات إنسانية للسودان خلال السنوات العشر الماضية إلى 3.5 مليار دولار. وقدمت الإمارات 30 مليون دولار دعما للاجئين في الدول المجاورة للسودان، وأعلنت عن تقديم 10.25 مليون دولار للأمم المتحدة لدعم اللاجئات السودانيات المتضررات من الأزمة المستمرة في السودان.