×
محافظة المنطقة الشرقية

من أجل اقتصاد مستدام

صورة الخبر

باتت الحاجة إلى تبني نموذج اقتصادي مستدام ضرورة ملحة لتحقيق مستقبل مزدهر وآمن للأجيال القادمة. في ظل التحديات البيئية والاقتصادية المتزايدة، فالاقتصاد المستدام ليس مجرد مفهوم بيئي، بل هو نهج شامل يعزز التوازن بين النمو الاقتصادي والمسؤولية الاجتماعية والمحافظة على البيئة. ويهدف إلى تحقيق النمو والازدهار مع مراعاة الحفاظ على البيئة واستدامة الموارد الطبيعية للأجيال القادمة. فهو يتمثل في استخدام الموارد بطريقة حكيمة، حيث لا يتم استنزافها بشكل يفوق قدرتها على التجديد. وبهذا، يمكن الحفاظ على تنمية اقتصادية متواصلة ومستدامة، مع تحقيق توازن بين احتياجات اليوم ومتطلبات المستقبل. أصبح الاقتصاد المستدام ضرورة ملحة في مواجهة التحديات العالمية، مثل التغير المناخي، واستنزاف الموارد، وارتفاع معدلات التلوث. ومن خلال تبني سياسات مستدامة، يمكن تحقيق فوائد عديدة للاقتصاد والمجتمع، منها تقليل الاعتماد على الموارد غير المتجددة، والحد من التلوث، وتعزيز كفاءة الطاقة. كما يسهم الاقتصاد المستدام في خلق فرص عمل جديدة ودعم الابتكارات التكنولوجية التي تُعد ركيزة أساسية لتحقيق التنمية المستدامة. عالميًا، تمثل التجارب الناجحة في تعظيم العائد الاقتصادي من الموارد الطبيعية دروسًا مهمة في هذا المجال. فعلى سبيل المثال، تُعَدُّ السويد من أبرز الدول التي طبَّقت نموذجًا فعّالًا في مجال الاقتصاد المستدام خلال عام 2023، حيث حققت إنجازات ملموسة في مجالات متعددة، فقد اعتمدت السويد بشكل كبير على مصادر الطاقة المتجددة، حيث شكّلت هذه المصادر حوالي 54% من إجمالي استهلاك الطاقة في البلاد. كما نجحت في تقليل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بنسبة 29% بين عامي 1990 و2019، مع استمرار الجهود لتحقيق صافي انبعاثات صفرية بحلول عام 2045، وتُعَدُّ السويد من الدول الرائدة في إعادة التدوير، حيث يُعاد تدوير نحو 99% من النفايات المنزلية، مع تحويل جزء كبير منها إلى طاقة، كما استثمرت السويد في تطوير وسائل النقل العام الصديقة للبيئة، مثل القطارات والحافلات التي تعمل بالطاقة المتجددة، مع تشجيع استخدام السيارات الكهربائية، ودعمت الحكومة السويدية مشاريع الابتكار البيئي، مما جعلها مركزًا رائدًا في التقنيات النظيفة والاستدامة. ومن جانب آخر، يشير تقرير البنك الدولي إلى أن قطاع التعدين العالمي يسهم بنحو 15% من الناتج المحلي الإجمالي في بعض الدول النامية، إلا أن استغلاله غير المستدام قد يؤدي إلى تدمير الأراضي وانخفاض الإنتاجية الزراعية، مما يحتم تبني سياسات مستدامة لتجنب التأثيرات السلبية وتحقيق أقصى استفادة اقتصادية. لذا تعمل العديد من الدول حول العالم، ومن بينها المملكة العربية السعودية، على وضع سياسات وتشريعات تهدف إلى تحقيق الاقتصاد المستدام. فعلى سبيل المثال، تركز رؤية المملكة 2030 على تنويع الاقتصاد وتقليل الاعتماد على النفط، من خلال تعزيز الاستثمار في القطاعات المستدامة كالطاقة المتجددة، والسياحة البيئية، والتكنولوجيا النظيفة. كما تحث الحكومة الشركات والمؤسسات على تبني استراتيجيات مستدامة من خلال تقديم حوافز وتشجيعات لدعم المبادرات التي تهدف إلى الحد من الأثر البيئي وتحقيق الاستدامة الاقتصادية. كما يلعب القطاع الخاص دورًا محوريًا في تحقيق الاقتصاد المستدام، حيث يمكن للشركات أن تتبنى استراتيجيات مبتكرة تساهم في تقليل التأثيرات البيئية وتعزز المسؤولية الاجتماعية. ويتزايد اليوم عدد الشركات التي تتبنى ممارسات صديقة للبيئة، مثل التحول إلى استخدام مصادر الطاقة المتجددة، وإدارة النفايات بشكل مستدام، وتقديم منتجات خضراء. وقد أظهرت تجارب عديدة أن هذه الاستراتيجيات لا تعود بالنفع على البيئة فحسب، بل تساعد أيضًا الشركات في خفض التكاليف وتعزيز سمعتها وزيادة ثقة المستهلكين. وبالرغم من الفوائد الكبيرة للاقتصاد المستدام، إلا أن هناك تحديات قد تعوق تحقيقه، مثل نقص الوعي حول أهمية الاستدامة، وصعوبة الوصول إلى التمويل اللازم للمشاريع المستدامة، والتكلفة العالية لبعض التقنيات الصديقة للبيئة. ولمواجهة هذه التحديات، يتطلب الأمر تضافر الجهود بين القطاعين العام والخاص، وتطوير سياسات تحفيزية وتشريعية تدعم الشركات في تبني ممارسات مستدامة. كما يمكن للحكومات إنشاء صناديق خاصة لدعم المشاريع البيئية وتقديم قروض ميسرة للشركات الناشئة في هذا المجال. حيث لا يقتصر تحقيق الاقتصاد المستدام على دور الحكومات والشركات، بل يمتد إلى المجتمع والأفراد أيضًا. فكل فرد يمكنه المساهمة في تحقيق هذا الهدف من خلال تبني عادات يومية بسيطة، مثل ترشيد استهلاك الماء والكهرباء، وإعادة التدوير، والحد من استخدام البلاستيك. كما أن توعية المجتمع بأهمية الاقتصاد المستدام تُعد خطوة مهمة نحو بناء ثقافة استدامة تعزز من مسؤولية الفرد تجاه بيئته. هذا التغيير في سلوكيات الأفراد يمكن أن يكون له تأثيرات كبيرة تدفع باتجاه تبني المجتمع ككل لمبادئ الاستدامة. ختامًا تحقيق اقتصاد مستدام ليس هدفًا بعيد المنال، بل هو خيار ضروري وملح لضمان مستقبل أكثر ازدهارًا واستقرارًا. ومن خلال تضافر جهود الحكومات، والقطاع الخاص، والمجتمع، يمكننا الوصول إلى اقتصاد يلبي احتياجات الحاضر ويحافظ على حقوق الأجيال القادمة. فالاقتصاد المستدام ليس مجرد نموذج اقتصادي، بل هو أسلوب حياة يجعل من الاستدامة جزءًا أساسيًا من جميع جوانب حياتنا الاقتصادية والاجتماعية. *مستشار التواصل المؤسسي - خبير المسؤولية الاجتماعية والاستدامة. X: @Ayedhaa

عبد الله بن محمد آل الشيخ

الإعلام.. والتجديد

  • Apr 9 2015 12:00AM
المنطقة الشرقية