×
محافظة العديد

العودة إلى تكتيكات «الصدمة والرعب»!

صورة الخبر

في عام 2003، شنّت الولايات المتحدة هجوماً متعدد الجبهات على العراق، باستخدام تكتيكات «الصدمة والرعب»، لهزيمة جيش صدام حسين. وكان الأمل لدى البيت الأبيض أن يؤدي هذا الهجوم الهائل إلى قيام حكومة عراقية جديدة وعصر جديد من الديمقراطية، ينتشر في جميع أنحاء الشرق الأوسط. لكن هذه الاستراتيجية كانت كارثية، وكانت خطأً مشابهاً للتورط الأميركي المشؤوم في حرب فيتنام، خلال عقدي الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي. ويستخدم الرئيس دونالد ترامب في وقتنا الحالي أسلوبَ «الصدمة والرعب» لفرض رسوم جمركية أعلى على شركاء أميركا التجاريين، على أمل أن يؤدي ذلك إلى «إعادة توازن» في العلاقات التجارية، وإنشاء مصانع جديدة في الولايات المتحدة، وبدء عصر جديد من القوة والازدهار الأميركي. صحيح أنه ستكون هناك بعض العقبات على الطريق، لكن مع مرور الوقت، قد تتضح حكمة رسوم ترامب الجمركية، والتي يصفها هو نفسه بأنها «أمر جميل يمكن تأمله». ويشير الانخفاض الكبير في الأسواق المالية العالمية، منذ أن أعلن ترامب عن الجولة الأخيرة من الرسوم الجمركية في 2 أبريل الجاري، إلى أن قراره أحادي الجانب ليس محل ثقة لدى الجميع، بمن فيهم العديد من المصرفيين وقادة الأعمال الذين دعموا ترشحَه. حتى تلميذه وراعيه، إيلون ماسك، أصبح من المنتقدين لسياسته الجمركية. ثم أعلن ترامب فرض رسوم جمركية إضافية، أول أمس الأربعاء، على الدول التي لدى الولايات المتحدة أكبر عجز تجاري معها، وعلى رأسها الصين، حيث ردت هذه الأخيرة بفرض رسوم جمركية مضادة على المنتجات الأميركية بنسبة 84%. وبعد ذلك بساعات، عاد ترامب ليعلن رفع الرسوم الجمركية على السلع الصينية لتبلغ 125%. ولم يقتصر الأمر على الصين، فقد قوبلت قرارات ترامب بالتحدي من دول عديدة أخرى، خصوصاً دول الاتحاد الأوروبي، رغم أنه عاد وأعلن تعليق الرسوم الجمركية الإضافية على جميع الدول مستثنياً الصين. بعض الدول مستعدة للتفاوض مع ترامب، لكن من غير الواضح مدى نجاحها.ما لم يغيّر ترامب سياساته الجمركية فجأة، فإنه سيستمر في التسبب في ضرر كبير لسمعة أميركا كقائد عالمي. حتى إن أقرب حلفائه سيشككون في إدارته بشأن قضايا عديدة تتجاوز أزمة الرسوم الجمركية. لقد تسببت جهوده لتقليص حجم الحكومة الفيدرالية الأميركية في فوضى في العديد من الدول، وخاصة في أفريقيا، حيث تم تقليص المساعدات الطبية والغذائية المنقِذة للحياة، التي تقدمها الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، وذلك دون إنذار ودون أي جهود لتوفير خدمات بديلة. إن تراجع «القوة الناعمة» الأميركية أمر حقيقي وستكون له عواقب طويلة الأمد على سمعة أميركا وصورتها. لقد كانت الحرب الجمركية مدمرة بشكل خاص لعلاقة الولايات المتحدة مع كل من جارتيها المباشرتين، أي كندا والمكسيك، اللتين فقدتا ثقتَهما بالإدارة الأميركية، وتشعران بالغضب من الإهانات التي يوجهها ترامب باستمرار لقادتهما. فقد دعا ترامب في مرات عديدة إلى أن تصبح كندا الولاية الأميركية الحادية والخمسين، وهدّد باستخدام القوة العسكرية ضد عصابات المخدرات في المكسيك، والتي لا تزال وراء تجارة المخدرات التي تنشط بنجاح قاتل في المدن والبلدات الأميركية. كما أن تهديداته باستعادة السيطرة على قناة بنما وتلويحه المتكرر بالرغبة في السيطرة على جزيرة جرينلاند، لأسباب اقتصادية واستراتيجية، لم تلقَ ترحيباً من جيرانه. فهم يعتقدون أن فكرة ترامب لـ«جعل أميركا عظيمة مرة أخرى» تشمل رغبةً في الهيمنة على أميركا الشمالية والجنوبية، على غرار السياسة الخارجية الأميركية في القرن التاسع عشر. وقد نُفذت هذه السياسة في ظل مبدأ مونرو، الذي أعلنه الرئيس جيمس مونرو أمام الكونجرس عام 1823، والذي نص على أنه لا ينبغي للقوى الأجنبية، خاصة الأوروبية، التدخل في شؤون الأميركيتين. لقد لاقت مواقف وسياسات ترامب تجاه أميركا استحساناً من روسيا والصين، اللتين تعتقدان أن ترامب مستعد للموافقة على مناطق نفوذ للقوى العظمى كما كان عليه الحال في القرن التاسع عشر. وتلقى هذه الأفكار معارضة شديدة من حلفاء الولايات المتحدة، وهي مؤشر إضافي على عدم موثوقية السياسات الحالية. وسيؤدي هذا إلى مبادرات أمنية جديدة، بما في ذلك الانتشار المحتمل للأسلحة النووية.