×
محافظة العديد

لفهم ما يجرى في الساحل السوري.. فتش عن المستفيد النظام السوري السابق بذر الكثير من بذور السموم الطائفية في دولة معروفة بتعدد طوائفها وفسيفسائها المعقدة واستمال طائفة على حساب الطوائف الأخرى وأدخل سوريا في دوامة من العنف والانتقام والثأر.

صورة الخبر

من نافل القول إن الرئيس السوري السابق بشار الأسد الهارب إلى العاصمة الروسية موسكو وأتباعه هم من كانوا وراء أحداث الساحل السوري الدامية، مستفيدين من تلاقي المصالح الإيرانية – الإسرائيلية والتردد الأميركي في رفع العقوبات عن سوريا. من الضروري التذكير أن إسرائيل قامت بتزويد إيران بالأسلحة المتقدمة لمواجهة العراق في حرب الخليج الأولى، والتي عرفت بفضيحة “إيران غيت”، وكانت لها مصلحة مشتركة مع إيران في سقوط نظام صدام حسين، مرورا إلى المرحلة اللاحقة التي تصدرها عنوان “دول تحكمها ميليشيات” كما في اليمن، والعراق، ولبنان وسوريا. الكتابة عن الموضوع الطائفي معقدة جدا ولها أبعاد كثيرة، فكل جملة فيها حمّالة أوجه، وهي كالسير في حقل ألغام. ولكن، بعض ما يحدث في سوريا يثير إشارات استفهام عديدة، ويتوجب تسليط الضوء عليه. فمن اللافت تصدر بعض رجال الدين المشهد السياسي، وهم يتحدثون بصفة زعامتهم الدينية لا بصفة زعامتهم السياسية أو الثقافية أو العلمية أو حتى الأدبية في أحسن الأحوال. فرجل الدين، من طائفة ما، عندما يوجه انتقادات سياسية، يستدعي ردا مقابلا من رجل دين من مكون طائفي آخر، ليتم تداول القضايا المثارة بشكل طائفي لا سياسي. أما عند الحديث في السياسة من قبل السياسيين والمثقفين تذوب كل الطوائف في المرجل السوري الذي يغلي اليوم بفعل الأحداث المؤسفة التي جرت مؤخرا، ومن المرجح أن تدفع بالأقليات الطائفية للانزواء والتكتل والانغلاق، وتؤجج من التعصب الطائفي. القيادة السورية الجديدة تظهر حزما في مواجهات فلول الأسد في الساحل السوري، ومحاسبة المتورطين في المجازر التي حدثت على أرضه، ويظهر هذا بشكل جلي بعدم التسامح مع أيّ جهة تحاول التغوّل على دور الدولة في حفظ السلم الأهلي الزعامات الدينية للأقليات هي من تتقدم المشهد السياسي في سوريا، وليس المثقفين أو السياسيين، وهنا يلاحظ تراجع دور السياسي والمثقف لدى الأقليات ممن يملكون خلفية غنية بالتجربة السياسية على حساب رجال الدين. لا يملك الزعيم الديني المتمسك بلباس وتراث الطائفة الكثير من القواسم المشتركة مع من يختلفون معه في الوطن. بل، على النقيض، هناك قيادات سياسية من نفس الطائفة تحظى بشعبية كبيرة بين أبناء الوطن كونها عارضت النظام السوري لأعوام عديدة، وذابت معاناتها مع معاناة أبناء الطوائف الأخرى تحت وطأة النظام البائد، وهم كثر جدا، نحتاج إلى عشرات الصفحات لذكر أسمائهم. مجرد فكرة وجود هكذا شخصيات في المشهد بشكل عام، ستسقط أي كلام طائفي لأي أطراف قد تحاول إضفاء صبغة طائفية على الحديث السياسي. غني عن القول إن النظام السوري السابق بذر الكثير من بذور السموم الطائفية في دولة معروفة بتعدد طوائفها وفسيفسائها المعقدة، واستمال طوائف على حساب أخرى، وأدخل سوريا في دوامة من العنف والانتقام والثأر، حيث لحق الدمار والقتل والمجازر والنزوح مناطق طوائف معينة، وأجبر شبابها على هجرة البلاد خوفا من بطش النظام، أو رفضا للالتحاق بالجيش والمشاركة بالقتال ضد أهلهم وأقاربهم. تابعنا حالات كثيرة لانشقاقات عن الجيش من قبل ضباط وأفراد امتنعوا عن قصف مدنهم وقراهم وبلداتهم واقتحامها عسكريا. بدوره لجأ النظام السوري إلى التسويات المؤقتة من المطلوبين للخدمة الإلزامية في صفوف القوات المسلحة، حيث يقوم الشاب المطلوب للخدمة العسكرية بعمل تسوية مالية يتم خلالها إصدار جواز سفر مؤقت مدته ستة أشهر، يغادر خلالها البلاد، في عملية فسرت على أنها محاولة لتفريغ للبلاد من مكون طائفي محدد. وبالعودة إلى تلاقي المصالح الأسدية والإيرانية والإسرائيلية على أرض سوريا، نرى أن إيران لم تستوعب بعد، بل وترفض استيعاب، فكرة خسارتها للساحة السورية، التي كانت تستخدم أراضيها الجنوبية لتهريب المخدرات لابتزاز الأردن ومن بعده دول الخليج العربي، وابتزاز إسرائيل من خلال بعض المشاغبات على الحدود السورية الجنوبية، ونقل المال والسلاح لدرّة تاج مشروعها الطائفي حزب الله. بخسارتها للساحة السورية انقطع شريان مشروع إيران التوسعي، وهذا يفسر سعيها الحثيث لخلق الاضطرابات والفقر في منطقة مهيأة لتوسع مشروعها من خلال المال والانكفاء الطائفي. وعلى الجانب الآخر، جلّ ما تتمناه إسرائيل أن تكون سوريا ممزقة ومهلهلة وسهلة الاختراق، وأقوى دليل على ذلك ضرباتها المتكررة لمستودعات ومخازن السلاح السورية ومجزرتها الأخيرة في قرية كويا الحدودية وفي ريف مدينة نوى. فطوال عهد الأسد، وتحديدا بعد اندلاع الثورة السورية، كان الطيران الحربي الإسرائيلي يستهدف التواجد الإيراني وحزب الله، ولكنه لم يستهدف مخازن مستودعات الدفاع السورية. الزعامات الدينية للأقليات هي من تتقدم المشهد السياسي في سوريا، وليس المثقفين أو السياسيين، وهنا يلاحظ تراجع دور السياسي والمثقف لدى الأقليات ممن يملكون خلفية غنية بالتجربة السياسية على حساب رجال الدين وكما نقلت العديد من وسائل الإعلام المحلية، عرضت إسرائيل على سكان المناطق التي اقتحمتها العمل داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، منتهزةً الوضع الاقتصادي الصعب في تلك القرى الحدودية. إذن، نحن بصدد مؤامرة ثلاثية الأبعاد، ولكن وجود هذه المؤامرة لا يعفي القيادة الجديدة في سوريا من التوجه نحو الداخل ومعالجة الكثير من المسائل المعقدة، ومنع حدوث مجازر على أساس طائفي ومحاسبة المتورطين بلا هوادة. فما جرى يهدد السلم الأهلي ويثقل كاهل الإدارة الجديدة بالكثير من المشاكل هي في غنى عنها، ولنا في حادثة اعتقال المصري أحمد منصور على أراضيها خير مؤشر على حسمها في هذا الشأن الحساس. يتوجب على الدولة السورية القيام بالكثير من الخطوات العملية لتخفيف الاحتقان. مثل، حل مشكلة رواتب العسكريين المجمّدة بعد سقوط النظام السوري، وتجدر الإشارة هنا إلى وجود قسم منهم أحيل إلى التقاعد قبل الثورة السورية أو بعد اندلاعها مباشرة. كما يجب العمل على إعادة من فقدوا وظائفهم المدنية بعد أن فصلهم النظام السابق بسبب ميولهم السياسية، وهم من جميع المكونات الطائفية. وتظهر القيادة السورية الجديدة حزما في مواجهات فلول الأسد في الساحل السوري، ومحاسبة المتورطين في المجازر التي حدثت على أرضه، ويظهر هذا بشكل جلي بعدم التسامح مع أيّ جهة تحاول التغوّل على دور الدولة في حفظ السلم الأهلي. بعد فشل محاولته في الساحل، والتي تشير الوقائع أنها الأولى والأخيرة، أصبح وجود بشار الأسد في موسكو محرجا في ظل انشغالها بإنهاء حربها في أوكرانيا. وقد لاقت محاولته لإثارة الفتنة الكثير من الانتقادات، حتى من دائرته الضيقة كابن خالته رامي مخلوف، الذي وصف ما حدث بتوريط للطائفة العلوية. فهل تُقدّم روسيا على تسليم بشار الأسد إلى الحكومة السورية كبادرة حسن نية، أو تسلمها مليارات الشعب السوري التي نهبها ووضعها في بنوكها والبنوك السويسرية، استجابة لطلب من الرئيس السوري أحمد الشرع؟ أو نستيقظ على خبر انتحاره بطلقة في الرأس كما كان يتخلص من معارضيه؟ الأيام القادمة ستكشف كيف ستطوى صفحة الأسد.. إلى الأبد.