×
محافظة العديد

قوى تنظر إلى حماس كحقيقة في غزة

صورة الخبر

حركة حماس فكرة.. والأفكار لا تموت تختلف أو تتفق مع حركة حماس، فهي تمثل شريحة من الشعب الفلسطيني، وتتباين التقديرات بشأن حجمها حسب الزاوية السياسية التي تنظر إليها كل جهة، وقد يصل البعض في رؤاه إلى حد أنها تمثل أغلبية أو أقلية. وجزء ممن يضخمون حجم الحركة يقومون بذلك، استنادا إلى حسابات عاطفية أكثر منها سياسية. وما جعل لحماس امتدادات خارجية مضاعفة أنها أحد أجنحة جماعة الإخوان التي لها وجود في العديد من الدول العربية والإسلامية والأوروبية، وتملك آلة دعائية تجيد توظيف القضايا السياسية باللعب على المشاعر الدينية، مع استفادة من شعارات براقة ترفعها الحركة في مواجهة إسرائيل التي بالغت في ممارسة العنف بحق الشعب الفلسطيني ولم تجد من يتصدى لها عمليا، إقليميا ودوليا. على الرغم من محاولات النفي والإقصاء التي تمارسها إسرائيل والولايات المتحدة ضد حركة حماس، إلا أن كليهما لم يتورع عن الحوار معها بشكل مباشر أو غير مباشر، ولم يكن هذا الحوار في عنفوان الحركة عندما كانت تسيطر على غزة فقط، بل توجه إليها حاليا رسائل تشير إلى أنها لا تزال رقما مهما، وكل ما واجهته من ضربات لم يفلح في إلغائها تماما، بدليل وجود قوى متباينة تجري حوارات مع قياداتها بهدف إيجاد حل للمأساة الراهنة في قطاع غزة. على الرغم من محاولات النفي والإقصاء التي تمارسها إسرائيل والولايات المتحدة ضد حركة حماس، إلا أن كليهما لم يتورع عن الحوار معها بشكل مباشر أو غير مباشر يبدو الحديث عن تهدم بنية حماس العسكرية وفقدانها الكثير من أدواتها التي مكنتها من الهيمنة على غزة السنوات الماضية متناقضا مع تمديد خيوط النقاش معها من أجل التوصل إلى تفاهمات بشأن مستقبلها داخل الأراضي الفلسطينية، ما يعكس حضورها كعنصر مؤثر ونجاحها في نشر أفكارها. فجمهور حماس غير مقتصر على غزة أو الضفة الغربية، إذ لها وجود في بعض الدول، مثل تركيا وقطر وسوريا ولبنان، فضلا عن طيف إخواني واسع يتواجد في دول أخرى عربية وإسلامية وغربية. جزء كبير منه لا يظهر مواقفه المؤيدة والمتعاطفة مع الحركة صراحة. يمثل هذا الطيف كتلة حرجة مهمة في دعم الحركة، بينهم من يختلفون مع تصوراتها، وجدوا فيها وفي حزب الله اللبناني وجماعة الحوثي اليمنية وكل من يرفع شعارات مقاومة، حقيقية أم زائفة وتخدم أجندات معينة، أملا أو مددا في التصدي لغطرسة إسرائيل. ولم يفلح انكسار هؤلاء عسكريا وسياسيا في إبعاد مؤيديهم عنهم، لأنهم لا يجدون بديلا سياسيا، عربيا أو فلسطينيا، ويعتقدون في إمكانية استعادة قوة هذه الحركات أو الأدوات في المستقبل، خاصة أن جزءا كبيرا من دعمهم وتأييدهم وتفاؤلهم مستمد من ذخيرة عقائدية ودينية كبيرة، ترى أن أفكارهم تمرض ولا تموت. ولذلك تحدث قادة عسكريون في إسرائيل منذ فترة عن صعوبة اجتثاث حماس من جذورها، مع كل ما تعرضت له من ضربات عسكرية قاصمة واغتيالات لعدد كبير من قادتها، وأرجعوا الصعوبة إلى أن الحركة باتت فكرة، والأفكار لا تموت. وكل من انخرطوا في حوارات مع حماس لم يكن دافعهم الاعتراف بها، لكن إيمانا بأن اختفاء هذه الحركة لا يعني اختفاء أفكارها قريبا. كان دافع دولة مثل الولايات المتحدة قامت بإجراء حوارات مباشرة لأول مرة مع قادة في حماس بالدوحة قبل أسابيع، هو محاولة سبر أغوارها وفهم الثقة التي تتصرف بها بعد كل ما جرى لها من مصائب في غزة، والتطويق الذي وصل إلى مستوى التشدد في عدم وجود رموزها في القطاع، ورسخ في عقل واشنطن، كما رسخ في وجدان وعقل عواصم غربية أخرى، أن نفي الحركة أو القضاء عليها لن يلغي أفكارها لدى شريحة عريضة من عناصرها ومناصريها ومؤيديها في دول عديدة. في ظل عدم وجود بديل مناسب في هذه المرحلة قد تعيد حماس بناء هياكلها في غزة، وما تسرّب من معلومات حول نجاحها في تجنيد عشرات الآلاف خلال فترة الهدنة مع إسرائيل، يعزز القناعات بأنها قادرة على إعادة البناء، ما يفسر إصرار قوات الاحتلال على التخلص من وجودها العسكري والسياسي في الأراضي الفلسطينية. في ظل عدم وجود بديل مناسب قد تعيد حماس بناء هياكلها، وما تسرّب من معلومات حول نجاحها في تجنيد عشرات الآلاف خلال فترة الهدنة، يعزز القناعات بأنها قادرة على إعادة البناء لكنّ هناك تجاهلا للعواقب الناجمة عن هذه المسألة، فوسط إحباط عام يعم المنطقة، قد تجد إسرائيل والولايات المتحدة وكل من يعملون على التخلص من الحركة أكثر من حماس في دول أخرى. وهذه إشكالية تنجم من عدم وجود أفق سياسي لما تقوم به تل أبيب وواشنطن من انتهاكات صارخة داخل دول عدة، فقد تخرج من رحم الفوضى الناتجة عن ذلك حركات أشد خطورة من حماس. تؤدي أكوام اليأس والإحباط وفقدان الأمل في المستقبل التي تسود دولا مختلفة في المنطقة إلى ظهور جماعات متطرفة تتغذى عليها، بعضها سيكون من الصعوبة السيطرة عليه، ويفضي ما يتمتع به من انفلات فكري إلى انتشار العنف على نطاق واسع، وربما يجعل تصورات حماس الحالية مقارنة بغيرها مستقبلا حركة معتدلة، ومن ثم يجب أن تظهر مقاربة لمعالجة النتائج الناجمة عن التخلص من حماس. تكمن الخطورة الحقيقية في إرث حماس كحركة عقائدية لها جذور إخوانية، نجحت في هز صورة إسرائيل، وبعيدا عمّا حدث من تداعيات كارثية من وراء عملية طوفان الأقصى في المنطقة، فهي جعلت كل شيء ممكنا، وأن الإخطبوط الإسرائيلي يمكن اصطياده، كما حفرت في ذاكرة قوى تسير على دربها سردية جديدة تؤكد أن إسرائيل ومن على شاكلتها من قوى تسرف في العنف قد يتعرضون لضربات موجعة. يعد التصميم على حصر أوراق اللعبة الفلسطينية في حماس وحدها نوعا من المناورة السياسية، لأن مسؤولين في تل أبيب، وفي مقدمتهم بنيامين نتنياهو، أسهموا في تضخيم حماس لضرب حركة فتح وشل السلطة الفلسطينية، وساعدوها على أن تكون رقما مهما في غزة، وعندما استنفدوا غرضهم أرادوا التخلص منها، وقبل الوصول إلى هذه النتيجة دخلوا فصلا لتحقيق هدف أكبر، هو السيطرة على مفاصل القطاع ووضع سيناريو التهجير موضع التنفيذ، والذي يقوم على نقل سكان غزة إلى دول عدة، وسواء أكانت فقيرة أم غنية سوف تواجه هذه الدول مأزقا عميقا. هذا سيناريو سوف تصبح توابعه أكثر خطرا، لأن من خرجوا من ديارهم قسرا أو طوعا يمكن تحويل عدد منهم إلى نواة لحركات على شاكلة حماس، أشد أو أقل حركية، لن تمحو من ذاكرتهم ما حدث لهم من تدمير مادي ومعنوي، ما يعني أن الدول التي قال الرئيس الأميركي دونالد ترامب في لقائه مع نتنياهو في واشنطن قبل أيام مستعدة لاستقبال أعداد من فلسطينيي غزة، عليها الاستعداد لاستقبال قنابل بشرية، عسكرية وسياسية، تخرج من رحم ما جرى في غزة، الذي يصعب أنْ مَحَوْهُ من عقولهم. انشرWhatsAppTwitterFacebook