×
محافظة خيبر

جبل السُّرير موقع في طريقه -صلى الله عليه وسلم- إلى خيبر - د. تنيضب الفايدي

صورة الخبر

كُلِّف الكاتب من قِبَل هيئة السياحة والتراث الوطني بمهام توثيق فتح رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لخيبر ميدانياً، وكلّف معه الباحث الأستاذ صيفي عيسى الشلالي، فتمّ رصد المواقع التي مرّ بها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في طريقه إلى خيبر من الغابة بالمدينة المنورة حتى وادي الرجيع شمال خيبر بالأدلة، حيث الغزوة المباركة التي أدخلت الفرح والسرور في قلب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، واشتهرت هذه الغزوة باسم آخر هو: الفتح الذي سُرّ به رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وخلال أكثر من أربعين عاماً تتبع الباحث الطريق النبوي إلى خيبر، وأحياناً يقف مع باحث آخر ومع بعض الأدلاء الذين ارتبطت حياتهم ببعض تلك المواقع، أي: ولدوا وعاشوا فيها، وورثوها عن آبائهم وأجدادهم، وقد بلغ عددها (34) موقعاً حتى وصل خيبر، ورُصِدت بالأدلة التاريخية أو بعض الأحاديث لتشكل في المحصّلة النهائية: الطريق النبوي إلى خيبر، ومن تلك المواقع جبل السُّرير الذي يقع في الثمد بين خيبر والصلصلة، والثمد أقرب إلى خيبر، وقرية الثمد تقع على ضفة وادي الغرس أحد الأودية الكبار لخيبر، وهي قرية لن يستطيع أحدٌ أن يغيّبها عن التاريخ، فقد استوعبها التاريخ لامتداد جذورها في مداه الزمني، فلن ينساها أبداً فهي حاضرةٌ لديه دائماً بتعدد مآثرها وجمال طبيعتها، واعتزاز أهلها بها وبتميّزهم بقلوب ملؤها حبّ للثمد ولكلّ من زارها، لذا فإن الثمد قرية تاريخية ضاربةٌ في التاريخ وتقع على ضفة وادي الغرس أحد الأودية الكبار في محافظة خيبر، وتحتوي بلدة الثمد آثاراً تاريخية مثل سد الصهباء وسد القصيبة. وقد ورد: السريرة بالتأنيث (السريرة) بزيادة الهاء. يقول أحد المؤرخين: «قلت: السريرة، صوابه السرير، وهو موضع ما زال معروفاً بوادي الغرس». ووادي الغرس (والكلام للكاتب) يأتي من الجنوب حيث يخترق بلدة الثمد التي يأتيها من الجنوب الشرقي ثم يلتف جنوب جبال الصهباء حيث يقترب من جنوب وغرب خيبر، ووادي الغرس واد شهير تقع عليه بعض المآثر منها: سد الصهباء ويطلق عليها العوام (سد البنت) وهو سد شهير. كما توجد عليه -وادي الغرس- بعض المواقع الأخرى، علماً بأنه واد دائم الاخضرار، وهناك أودية أخرى شهيرة في خيبر مثل: وادي النطاة، وادي الكتيبة، وادي خاض، وتلتقي جميع أودية خيبر في واد واحد ثم يلتقي معها وادي الغرس فتشكل جميع الأودية وادياً واحداً تصبّ في وادي إضم القادم من المدينة المنورة، وعند التقاء مجمع أودية خيبر مع وادي الغرس يوجد ما يشبه البحيرة يحتفظ بالماء يطلق عليه (غدير الطير)، وغدير الطير محطة استراحة لأسراب الطيور المهاجرة للتزود بالماء أثناء هجرتها، وقد شاهدت مجموعة من الطيور ومنها أسراب طيور القطا، وهذا ذكرني قول الشاعر: شَكَوتُ إِلى سِربِ القَطا إِذ مَرَرنَ بي فَقُلتُ وَمِثلي بِالبُكاءِ جَديرُ أَسِربَ القَطا هَل مِن مُعيرٍ جَناحَهُ لَعَلّي إِلى مَن قَد هَوَيتُ أَطيرُ فَجاوَبنَني مِن فَوقِ غُصنِ أَراكَةٍ أَلا كُلُّنا يا مُستَعيرُ مُعيرُ تشكل الجبال حوله مع أشجار الوادي منظراً بديعاً، كما أن الجبال المحيطة بغدير الطير لافتة للنظر وفريدة في تكوينها مع جبال الصخور وتطابقها، حيث يبدو كلّ جبل كأنه من طبقات، كلّ طبقة على الأخرى ومستقلة عنها ويطلق عليها جبال (الطِّبق)، وأكثرها إثارة أنك تجد طبقة من تلك الطبقات بنية اللون والطبقة التي تحتها طبقة بيضاء مما يجعلك تظن بأن طبقات الجبل عبارة عن بنيان وأن ما بينها (خلطة من النورة أو الإسمنت الأبيض)، لكنّ ذلك خلقه الله هكذا، فسبحان الله العظيم، وغدير الطير منطقة سياحية جميلة لوجود الماء واخضرار الأشجار والجبال ذات الطبقات (جبال الطِّبق). وجبل السُّرير يميل لونه إلى الأحمر، وسمي بالسُّرير وهو تصغير سرّ؛ لأنه بارز عمّا حوله كالسرّ، فصار علماً على قرية البحرة ووادي الثمد. ولعل السُّرير كان يطلق على الوادي أولاً ثم انتقلت تسميته إلى الجبل للقرب منه، حيث يقول البكري: السُّرير وادٍ من أودية خيبر، وقد كانت قرية الثمد تسمى باسمه (أي: قرية السُّرير) قبل أن تعرف بالثمد. وقد جاء ذكر السُّرير في مسار النبوي الشريف إلى غزوة خيبر، فقد ذكر الواقدي: «وخرج الدليل يسير برسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى انتهى به فيسلك (بين حياض والسرير)، فاتبع صدور الأودية، حتى هبط به الحرضة، ثم نهض به حتى سلك بين الشق والنطاة (وهما بخيبر)». وبالقرب من هذا الجبل عند سد الصهباء بنى رسول الله - صلى الله عليه وسلم – بصفية - رضي الله عنها - عند رجوعه من غزوة خيبر، حيث أسلمت - رضي الله عنها - فاختارها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لنفسه ثم تزوجها بعد أن أعتقها وجعل عتقها صداقها، فقد روى البخاري عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لأبي طلحة: التمس غلاماً من غلمانكم يخدمني حتى أخرج إلى خيبر، فخرج بي أبو طلحة مردفي وأنا غلام راهقت الحلم، فكنت أخدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا نزل، فكنت أسمعه كثيراً يقول: اللهم إني أعوذ بك من الهمّ والحزن والعجز والكسل والبخل والجبن وضلع الدين وغلبة الرجال.. ثم قدمنا خيبر فلما فتح الله عليه الحصن ذكر له جمال صفية بنت حيي بن أخطب وقد قتل زوجها وكانت عروساً؛ فاصطفاها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لنفسه فخرج بها حتى بلغنا سدّ الصهباء، حلّت فبنى بها ثم صنع حيساً في نطع صغير ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - آذن من حولك، فكانت تلك وليمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على صفية - رضي الله عنها -... الحديث. وقد أراد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بهذا الزواج أن يعطيها مكان سيادتها، حيث كانت صفية - رضي الله عنها - ابنة سيد قومها، وقد ظهر ذلك جلياً حينما قال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهي تبكي من كلمة قالتها لها بعض نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - بأنها خيرٌ منها، حيث قال: (كيف تكون خيراً منك وإنك لابنة نبي وإن عمك لنبي وإنك لتحت نبي ففيم تفخر عليكِ؟). رواه أحمد والترمذي، وفي ذلك إعزاز كبيرٌ لصفية - رضي الله عنها -. ولا يبعُدُ جبل السُّرير عن سد الصهباء كثيراً (وتطلق العامة على سد الصهباء سد البنت)، وورد في صحيح البخاري أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد جعله موقعاً لاستراحة الجيش عند ما ابتنى بصفية - رضي الله عنها -؛ ونظراً لأن بعض المؤرخين يكتب عن غيره ولا يقف عند المواقع التي يكتب عنها لذا خلط كثيرٌ منهم بين السُّرير والصُّرير، حيث إن الفرق بينهما كبير، فالسُّرير هو الجبل محور الحديث، أما الصُّرير فهو ملتقى أودية خيبر الثلاثة، الحلحال، وفيه (النطاة والشق)، والزايدية، وفيه (الكتيبة)، والزعبلة، وفيه (الوطيح)، وسلالم، ووجدة، وطيران، وادي خاض أو خلص أو حياض الذي ورد ذكره في روايات عدة. وقد وقف الكاتب على جبل السُّرَير وهو جبل الثمد المشهور الذي كانت قرية الثمد تسمى باسمه قبل أن تعرف بالثمد. ويبعد عن خيبر مسافة 20 كيلو متراً وهي مسافة بعيدة بمقاييس ذلك الزمان، ولا يمكن ربط هذا المكان بمنطقة الحصون، فالرواية التي أوردها الواقدي أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - سلك بين حياض والسرير، بمعنى أنهما قريبان من بعضهما ولا يبعدان مسافة مثل هذه لذلك فإن ما ذكره البلادي قريب من الصواب، أي أن المقصود بوادي السُّرَير الوارد في مسار النبي - صلى الله عليه وسلم - هو وادي الصُّوَير. بعض المراجع: الطبقات الكبرى لابن سعد، مغازي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للواقدي، خيبر... الغزوة المحافظة السياحة تأليف: الدكتور/ تنيضب الفايدي، غزوة خيبر للدكتور/ تنيضب الفايدي والأستاذ/ صيفي الشلالي، معجم الأماكن الواردة في السيرة للبلادي.