كوثر الأبرش باستقراء الواقع الثقافي والاجتماعي في المملكة منذ أحداث 11 سبتمبر للآن. أرى تراجعًا ملحوظًا لحظوة (السلفية السنية) في الذاكرة الاجتماعية العامة. لأن أي حادثة إرهاب تحمل طابعًا إسلامويًا، هي فرصة لوثبة ليبرالية متحفزة للإشارة بسبابة الاتهام للسلفية السنية. ومحاولة محوها والحجر عليها وليس فقط حصر مواطن التحريض فيها. وما أشبه اليوم بالبارحة فإرهاب الدولة الإسلامية في العراق والشام المسماة بداعش؛ كان بمثابة فرصة من ذهب لإعادة فتح ملفات قديمة طفت على السطح من جديد. كتنقيح المناهج الدراسية وخطاب التحريض والتكفير الديني في المساجد وغيرها. وعلى مدى هذه المصاولة المتناوبة بين السلفية والليبرالية تمكن الفكر الليبرالي من التغلغل عميقًا في المفاهيم الاجتماعية والدينية والسياسية العامة. بسبب سيطرته على الإعلام الجديد بتمكن، كصناعة الميديا والأفلام القصيرة وشبكات التواصل الاجتماعية كتويتر والفيس بوك. حتى إنه من الطريف أن تجد أحدهم يروج فكرة ليبرالية، ثم يشتم «الريبرارية». بسبب تغلل الفكرة للحد الذي فقدت فيه انتسابها ومصدرها! بمقارنة بسيطة بين مساحة النقد المتاحة للفتاوى ورجال الدين ما قبل 11 سبتمبر وما بعده. سوف تصفعنا حقيقة أن النقد العلمي والموضوعي الذي كان يلوح في خطاب الليبراليين سابقًا تمكن من زعزعة ثقة عامة الناس بالسلفية. مما سلب رجل الديني السني حصانته من النقد وكان يمكن أن يكون الأمر جيدًا لولا أنه تجاوز حدود نقد التراث والفتاوى إلى قيام بعض الليبراليين والعامة في تويتر بالسخرية والاستنقاص والتندر وترويج النكات والشتائم ليس فقط حول فتاوى رجال الدين بل حتى على لباسهم ومظهرهم ولحاهم، بل بلغ حد الاستهجان والسخرية لرموز السلفية كابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب! وهذا أبعد مما كان يأمله العاقل الطامح لحالة تصحيح متوازنة ترفع الحصانة عن الأفكار وتحترم الشخوص، تلتزم بالنقد الموضوعي وتنأى بنفسها عن قعر الشخصنة والشتم والاستهزاء بأي رموز دينية من أي مذهب كان. وفي الحقيقة ليس هذا موضوعي بل السؤال التالي هو الذي سيأخذني لعنوان مقالي «الشيليبرالية». في خضم تراجع حظوة السلفية السنية وقدرة الخط الليبرالي على وضعها تحت المجهر والرقابة، من الذي حاول سد فراغ الاحتفاء بالحضور الديني لدى الناس؟ من الذي تحاول الليبرالية أن تستحضره بديلاً؟ الجواب وبكل أسف هو: السلفية الشيعية! وهي الأخ الشقيق للسلفية السنية التي يحاربها الليبراليون منذ عقود من الزمن. هذا التعاضد الضمني بين الليبرالية والسلفية الشيعية نجده ظاهرًا في كثير من الشواهد الاجتماعية. فالليبرالي الذي يحارب رجل الدين السني (الوهابي حسب تعبيره) تجده في موضع آخر بإزاء رجل دين شيعي متشدد يحمل وجهًا آخر من الأفكار ذاتها. أو تجده محاطًا بمتطرفين شيعة حانقين على السلفية السنية باعتبارها أموية الهوى. لأن السلفيات الدينية (الشيعية الاثني عشرية تحديدًا والسنية) تتشابهان لحد كبير، بل إن الشيعية تتفوق عليها بمساحة التكفير والخرافة والغلو! وعلى الرغم من أنني أدرك ضرورة النقد الداخلي للمذاهب وعدم الاستعداء على موروث الآخرين بالنقد وإعادة القراءة. إلا أنني أيضًا أهيب بالليبرالية التي تريد تصحيح مسارات دينية متشددة ألا تأخذ بيد مسار آخر وتقويه وتتملقه، وقد يصل الأمر بالتشكيك بأي محاولة نقد للموروث الشيعي، وغض الطرف عن خطابات التحريض الديني الشيعي. ومن الجدير بالذكر ظهور وسم في تويتر بعد حادثة الدالوة الأليمة (#هذه-المطالب-تمثلني) يتضمن قائمة للمطالب قام بتصميمها بعض الناشطين الشيعة للحد من خطاب وسلوك التطرف وقد تضمن مراقبة الخطاب الديني في المساجد والمناهج. لن تجد أي إشارة للحسينية وهي المنبر الديني الأهم لدى الشيعة. ولكنك ستعثر على مشاركات حماسية من ليبراليين سنة دون أدنى إشارة لملامح للتطرف الشيعي الفارقة أو أحد منابعه! في الحقيقة شواهد «الشيليبرالية» كثيرة بعضها يصل إلى تجريم النقد الشيعي وتخوين مبادراته. وبعضه طريف ومضحك. سأذكر أحد المواقف من باب النكتة لا أكثر. أحد الليبراليين السنة ممن يناهضون الخطاب المتشدد الديني السني يخشى من إعادة تغريد (رتويت) تغريدة واحدة ضد التطرف الشيعي أو نقد موروثه! أليس هذا تملقًا وحماية؟ صحيفة الجزيرة