حتى لا تذهب بنا الأحداث، ونبتعد عن الوقوف المتأمل لمضامين البيان الذي حمل كلمات خادم الحرمين الشريفين بعد استكمال المشاورات والتوقيع على الاتفاق النهائي المعلن عودة قطر إلى الموقف الخليجي الكامل، البيان القصير حمل رسالة كبيرة لوسائل الإعلام؛ لتكون (مُعينة لتحقيق الخير ودافعة للشر)، وذلك في إطار السعي لتحقيق وحدة الصف وإنهاء الخلافات، بالذات في هذه الظروف الحرجة المحيطة بنا جميعًا. كزعيم يُقدّر أين تكون المصلحة العامة.. وجَّه خادم الحرمين الشريفين رسالته إلى وسائل الإعلام وقادة الفكر والرأي، يقول فيها: (وإني لعلى يقين - بإذن الله - أن قادة الرأي والفكر ووسائل الإعلام في دولنا سيسعون لتحقيق هذا التقارب الذي نهدف منه - بحول الله - إلى إنهاء كل خلاف مهما كانت أسبابه، فالحكمة ضالة المؤمن.).. هذه الدعوة تستحق الاستجابة الواعية المدركة لمنطلقاتها من كل صاحب مسؤولية عن الكلمة التي يتلقاها الناس، بالذات في دول الخليج. الإعلام الذي كان يُفترض أن يكون حامي الاتحاد أصبح جزءًا من المشكلة، لذا دعوة الملك للكُتَّاب والإعلاميين في ظروفنا الحالية إلى مؤازرة العمل الخليجي المشترك تكتسب أهمية خاصة.. الدعوة تحمل ضرورة استشعار المسؤولية الوطنية والأخلاقية.. وهي أيضًا تقدير من الملك عبدالله لدور الإعلام وأهميته في عالمنا المعاصر، فالملك عبدالله يعطي اهتمامًا خاصًا للإعلام لإدراكه مدى أهميته، وأيضًا مدى خطورته، فالإعلام يستطيع أن يخلق الأزمات ليعتاش منها، وهذا مصدر عبثيته، ويستطيع أن يكون عنصر بناءٍ ومشاركةٍ في أعمال الخير، ومصدرًا للإجماع، وهذا جانبه المشرق. في السنوات الأخيرة بدأ الإعلام الخليجي يذهب بعيدًا في نزعته المقاومة لمشروع الاتحاد، وهذا هو الذي يجعلنا نحتفي ونقدّر الالتفاتات الجادة التي تأتي من القيادات الخليجية الموجّهة للإعلام. الإعلام الخليجي يحتاج من القادة في دول المجلس الانتباه والمتابعة والمراقبة والضبط حتى لا يعبث مراهقوه الجُدد بمصالح الشعوب. الظاهرة الإعلامية بدأ يجانبها الرشد والتعقل، وأدركتها اعتبارات السوق التجاري، ومحتوى المادة الإعلامية، مع الأسف، أصبح (وكلاء الإعلان والعلاقات العامة) يتحكّمون في مضامينها، بالذات التليفزيون.. والمتابع المحترف الدقيق ربما يستنتج أن الإعلام يتجه ليكون عائقًا نفسيًا وفكريًا لمسيرة الوحدة الخليجية، ولو تم إجراء تحليل لمحتوى الإعلام في العشرين عامًا الماضية لوجد أن الرسالة الإعلامية الخليجية عن مسيرة التعاون ساخرة وغير مشجّعة، واتجهت إلى بناء صورة نمطية سلبية رغم الإنجازات الكبيرة التي تحققت في مجالات عديدة، فهناك انفصام بين ضرورات الوحدة والتعاون وبين رؤية الإعلام لها. هذه النزعة لبناء صورة سلبية لها منطلقاتها الفنية في أداء وسائل الإعلام.. المؤسف أن الجانب السلبي للحياة هو الذي يسوّق ويبيع المنتج الإعلامي، وهذا أدى إلى ازدهار الإعلام الهابط وتعاظم أرباحه، فمحطات التليفزيون والصحف التي تبيع محتوى هابطًا يستدعي الإثارة، لا تملك الوقت أو الرغبة لكي تقف عند الأمور الجادة في الحياة التي فيها نفع كبير للناس، فهذه تتطلب الصبر والجلد والتحمّل، وحسن تقدير الأمور، والنظر للمصلحة العليا للدولة وللناس، وهذه طبعًا تتعارض مع ذهنية القيادات الاعلامية الراعية للإعلام الهابط، وأيضًا تتعارض مع التوجّه التجاري. تعزيز البنية الداخلية الخليجية لن يتحقق حتى تواصل الحكومات الخليجية استكمال السيادة الوطنية على مكوّنات الصناعة الإعلامية.. هذه الصناعة إذا تُركت تتوسّع في نزعتها التجارية المتطرفة، فسوف تكون لها أضرارها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، والآن أصبحت الأضرار أمنية. ضرورات الأمن الوطني الخليجي تتعرض إما للتجاهل من وسائل غبية لاهثة خلف مكاسبها الخاصة، أو تتعرض للتخريب من المضامين الإعلامية التي تتجه إلى اغتيال الشخصية الخليجية، بإعلامها.. وبـ(فلوسها)!! خارج المنطقة، مَن يشاهد الفضائيات الخليجية لا يرى إلا صراعًا سياسيًا مستوردًا للمنطقة، أو مسلسلات موضوعاتها الفساد الأخلاقي والإجرام، أو مسلسلات مدبلجة هدفها بيع جسد المرأة، وبيع سلوكيات حياة متحررة أبعد ما تكون عن دول الخليج واحتياجاتها التنموية والاجتماعية. الملك عبدالله تعوّدنا منه الدعوة الصادقة المستمرة لوسائل الإعلام ولقادة الرأي والفكر؛ لأن يكونوا جزءًا من عوامل البناء الذي يستشعر المسؤولية الوطنية وأمانة الكلمة، وفي الظروف الراهنة، المسؤولية والأمانة مع النفس ومع الناس كبيرة.. وكبيرة جدًا!