التَنَمّر هو سلوك "الفتوات"؛ أن تفرض رأيك على الأخرين بقوة الذراع، أي أن تغصبهم غصباً على فعل أو ترك أمرٍ ما. ونجد أن "التنمر" طريقة حياة عند البعض، أي تسمع كلامي أو تسمع كلامي، ولا حل آخر إلا الضرب أو القطيعة أو في حال الدول المقاطعة والحرب! كلنا، مررنا أيام طفولتنا بأطفال متنمرين، كانوا في الحارة يملون إرادتهم على بقية الأطفال، كيف يلعبون؟ ومع من يلعبون؟ ومتى؟ وباعتبار أنهم أطفال متنمرون فتجد أنهم عبثيون أحياناً، أي يبحثون عن "المعارك" بحثاً، فهي تسلية وفيها ما يشغل أوقاتهم بأمر يحبونه، فالدراسة وبناء علاقات سوية مع زملائهم من التلاميذ هو أمر خارج اهتماماتهم! أذكر، أيام الطفولة في الأحساء، أن كانت لي "شلة" من أطفال الفريج، كان اتفاقنا نعود من المدرسة ولا نخرج للعب إلا بعد إنهاء الواجبات، وليس في ذلك أي مثالية، بل لنتخلص من مضايقات أهلنا، فكل أم كانت تعتقد أن الآخرين هم من يشغلون "وليدها" عن الجد والاجتهاد وإنجاز الواجبات، وعندما نخرج نلعب الألعاب الجماعية المعتادة، وفي إحدى المرات أتانا "فتوة" الفريج مع مساعد له يريدان أن نشركهما في اللعب، وبما أن الكثرة تغلب الشجاعة فرفضنا، وكانت حجتنا أنه "موب من فريجنا"، فوبخناه وبدأ هو باستخدام عضلاته، وانتهت المعركة أنه غادر متوعداً بعد أن أثخن بعضناً ضرباً، لكنه غادر مقهوراً وخصني بوعيد لأني لكمته في وجهه، رغم أنه كاد أن يخلع يدي من الكتف! بعدها بنحو الشهر، وفيما كنت على "سيكلي" عائداً ظهراً من مدرستي، وفي ممر ضيق بين سور المدرسة الأميرية (الهفوف الأولى) وما يعرف بــ"عمارة السبيعي"، وإذا بي وجهاً لوجه مع "إبريه" (تصغير أو تدليع إبراهيم) ومساعده. بالطبع لم يكن الموقف محل سعادة لي، فقررت تجاهلهما. مررت بمحاذاتهما، وبعدها بلحظة شعرت بقوة هائلة تسحب "السيكل" للخلف، ثم أطبق "إبريه" على رقبتي وعيناه تكاد أن تخرج من مأقيهما. قلت: شفيك؟ إش تبي؟ رد: ليش ما سلمت؟ ولما موب عاجبينك؟ تفاديت الرد، فيما هو يصر أن أجيب، وبعد نقاش طويل ترك رقبتي. وقال متهكماً: ورني طولة لسانك الحين؟ كل ذلك لم يهمني أو يقلقني، فقد كنت قلقاً على دراجتي، فقد كان المساعد مهتما ب"السيكل" اهتماماً واضحاً! وفجأة وجدت نفسي في الهواء، بعد أن أخذ بي "إبريه" ورفعني وألقاني أرضاً، وقال: "شف، اليوم العصر بنجيكم، وإما كوره، ولا طق! والمساعد مازال مطبقاً على "السيكل"، وحاولت أن أنتزعه، ونجحت بعد أن تلقيت لكمات ورفسات. لم يأتيا عصراً، لكنهما كان مصدر رعب للجميع. ظاهرة "التنمر" خطيرة، فهي تبدأ مع الأطفال حتى من قبل دخولهم للمدرسة، حينما يتعامل أحدهم مع الآخرين باستخدام يده وليس لسانه، ويجد أن ذلك يجلب له منافع منها إعجاب الأهل ببطولات طفلهم وبشخصيته "القيادية"، غير مدركين أنهم بذلك ينمون روح التنمر لدى طفلهم، ليكبر وتصبح يده تسبق عقله ولسانه. وبالقطع فدور الأسرة أساسي في تحفيز الطفل ليحصل على ما يريد بالحوار والسعي للإقناع، وباحترام حقوق الأطفال الآخرين وعدم المساس بهم. هذه معان كبيرة لن يستوعب الأطفال اليافعون تلقي محاضرات حولها، لكنهم يفهمون ممارساتنا، فنحن قدوتهم، والطفل يتعلم منا كل شيء؛ كيف يخطو، وكيف يأكل، وكيف يتكلم، وكيف يتعامل مع الآخرين. شكري لكل أسرة ومدرسة تكافح التَنَمّر في مجتمعنا.