في خضم حالة الترقب التي سبقت ذروة المحادثات النووية مع إيران، المقررة اليوم (الاثنين)، بات من السهل إغفال حقيقة عدم توافر حل مُرضٍ بصورة حقيقية للمشكلة الناجمة عن رغبة نظام طهران العميقة في بناء سلاح نووي. الملاحظ وجود معسكرين رئيسيين بالغرب يتركز اهتمامهما على المفاوضات الجارية، حيث يضم أولهما إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما وقطاعا كبيرا من النخبة الأميركية المعنية بالسياسة الخارجية، وغالبية الحكومات الأوروبية. ويؤمن أفراد هذه المجموعة بأن التوصل لتسوية مع إيران عبر التفاوض سيعمل بمثابة ضمان عدم اقتراب المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي وآيات الله الذين سيخلفونه من صنع سلاح نووي. ولدى هذه المجموعة المؤيدة للتفاوض قناعة بأن إبرام اتفاقية بهذا الخصوص، من شأنه إبقاء إيران إلى الأبد بمنأى عن الانضمام للنادي النووي. أما العناصر ذات الطبيعة الحالمة من داخل هذه المجموعة، فتعتقد أن التوصل لاتفاق نووي سيطلق بدوره عملية تحوّل نحو الليبرالية داخل إيران. أما أفراد هذه المجموعة من الرأسماليين، فيعتقدون أن مثل هذه المعاهدة ستفتح سوقا ضخمة عطلت العقوبات الوصول إليها حتى الآن. أما المناوئون، فيؤمنون بأن إيران لن توافق قط على اتفاق جيد. فإسرائيل ومنشقون إيرانيون وقطاع كبير من أعضاء الكونغرس الأميركي)، يؤمنون بأنه حال التوصل لاتفاق، فإنه سيكفل بذلك حق إيران في امتلاك برنامج نووي تبعا لمقتضيات القانون الدولي، وهي فكرة مرفوضة تماما بالنسبة لهم، وذلك لاعتقادهم بأنه بمجرد رفع العقوبات ستشرع طهران في إعادة بناء اقتصادها، وستتجاهل التزاماتها النووية. كما ترى هذا أيضا غالبية الحكومات العربية. ويعتقد هؤلاء أن إيران بالفعل تمارس الخداع والتشويش على حقيقة جهودها النووية، وأنها ستضاعف هذه الجهود بمجرد إبرام اتفاق. لذا، فهم يرون أن العقوبات وتهديدا حقيقيا باستخدام القوة، هما السبيل الوحيدة لمنع إيران من امتلاك سلاح نووي. مما سبق يتضح أن كلا المعسكرين يطرح حججا قوية. في الواقع، تتميز الحكومة الإيرانية بالذكاء والبراعة، وقد أبدت استعدادها لتقديم تضحيات هائلة نيابة عن الشعب غير الراضي عن هذه التضحيات، الذي تحكمه، للاقتراب من صنع القنبلة النووية. ورغم الحجة القوية التي يطرحها أنصار التوصل لاتفاق، تبقى هناك احتمالية معقولة لأن تنجح طهران في خداع الغرب في إطار هذا الاتفاق. اللافت أنه جاءت لحظات خلال عملية التفاوض الجارية بدت خلالها إدارة أوباما وحلفاؤها الأوروبيون أكثر تلهفا على التوصل لاتفاق عن الإيرانيين، وهو أمر غريب لأن الغرب ليس هو من يرزح تحت وطأة العقوبات. بيد أنه من ناحية أخرى، يعي المفاوضون الغربيون تماما أنهم في موقف سلبي بالفعل، ذلك أن إيران حقيقة الأمر دولة نووية خاملة. من جهتهم، تنظر العناصر المتشددة المناوئة لإيران للموقف الغربي التفاوضي الضعيف، واضعة في اعتبارها قدرات طهران النووية الواضحة، وسجلها الممتد من إخفاء قدراتها ونيتها النووية، ويدعون بناء على ذلك لاستخدام المطرقة في التعامل معها. ويرون أنه نظرا لنجاح العقوبات الصارمة في دفع إيران للجلوس على طاولة التفاوض، فإن التلويح بعقوبات أشد سيبقيها على الطاولة، إلا أن المفاوضين الغربيين يدركون أن نظراءهم الإيرانيين، خاصة الرئيس الإيراني الذي يبدو معتدلا، حسن روحاني، ووزير خارجيته، محمد جواد ظريف، يتعرضون بالفعل لضغوط هائلة من جانب المتشددين داخل إيران. في الواقع، يجب على المتشددين الذين يدعون لـ«تفكيك» البرنامج النووي الإيراني إدراك أنهم يخلقون ظروفا ستؤدي في نهاية المطاف لمواجهة عسكرية. وإذا كان أنصار المفاوضات يبالغون في تقييم فاعلية الدبلوماسية والالتزام الإيراني بالعقلانية، فإن المتشككين من جهتهم يبالغون في تقييم فاعلية توجيه ضربة عسكرية ضد المنشآت النووية الإيرانية. بالطبع، بإمكان الضربات الجوية ضد المنشآت الإيرانية النجاح في نسف الكثير من البنية التحتية المرتبطة بدورة الوقود، وتعطيل البرنامج النووي لشهور أو سنوات. أما التوصل لاتفاق نووي فقد يقر حق إيران في تخصيب اليورانيوم، وقد يمكّنها من قطع خطوات بطيئة لكن ثابتة نحو الانضمام للنادي النووي. ويمكن أن يسفر انهيار المفاوضات عن دفع إيران والغرب سريعا نحو المواجهة التي قد تنتهي بكارثة، بجانب إمكانية أن يدفع ذلك إيران للتحرك بخطوات أسرع نحو بناء القنبلة النووية. مجمل القول إنه ليست هناك خيارات مأمونة العواقب على هذا الصعيد، ولا تصدقوا من يخبركم بخلاف ذلك. * بالاتفاق مع «بلومبيرغ»