رأيتهم يصطفون على الباب اصطفاف الواثق المتمكن. لم أبادر بدعوتهم حتى أستبين أمرهم. كان يقف في مقدمة المصطفين ذاتنا حفظها الله. ويليها اليأس الجاثم. وآخرون قد نأتي على ذكرهم. تعاميت عن اليأس ورحبت بذاتنا ترحيب المشتاق الذي ينتظر أجوبة لأسئلته. لاأخفيكم كنت أحدثها وأنا أتصفح جسدها بحثاً عن آثار السياط فكثير ماسمعنا الشكوى من جلد الذات حتى توقعت أن تبدو آثار السياط على على وجهها الصبوح. لم أرد أن أبادرها بالسؤال عن وقع السياط. تحدثنا في أحلامنا وفي كوابيسنا في السياسة والرياضة. في كل شيء. وقد أفصحت لي عن أشياء مهمة جداً، ولكن همي كان الولوج في الحديث عن سياطنا. تجرأت فسألتها بصراحة عن وقع السياط. فضحكت ضحكة لم أتوقعها. ثم قالت لو كان بيدي لصرخت بكم بأعلى صوت واصلوا الجلد. فقلت لا حول ولا قوة الا بالله لم أعهدك "سادية"! ضحكت مجدداً وقالت كل سياطكم لم تطرد عني غبار الإهمال ولا رماد الفساد. أستحلفك بالله أن تعود إلى أهلي وتقول لهم لو كان الفساد وحشاً لأصابته التخمة ولو كان الإهمال ماء لرأينا الطوفان الثاني. فقلت لا أحب التعميم ياسيدتي. وكنت أسترق النظر إلى وجه اليأس مع كل جملة تقولها ذاتنا فأراه مبتسماً حيناً وعابساً أحياناً أخرى. فقلت: إذاً لماذا يشتكون من جلد الذات إذا كانت تلك هي الحال. فقالت: استمع إلى ماتسمونه جلد الذات هو من فواكه اليأس المفضلة إذا لم يتبعها محاولات تغيير إلى الأفضل. ولا أخفيك أنني فرحت كثيراً بأشياء تحققت على أيدي أبناء هذا البلد وأنا في انتظار المزيد منهم حتى لو كان ثمن ذلك مزيداً من سياطهم المحببة إلى نفسي. الحقيقة أن الحديث مع ذاتنا شغلني عن سواها ممن اصطف على بابي ولكني لم أستطع تجاوز إصرار اليأس وثقته. وضعيته تؤكد عزمه الولوج سواء أذن أم لم يؤذن. فقلت لذاتنا لمَ اليأس بهذه الثقة رافع الرأس متمكن الخطى. فقالت لم يبق بيت إلا وعشش فيه وأناخ. أصبح هو المحصلة النهائية لكل حديث عن الوطن. ولكل متحدث بحرقة. فقلت لقد سبق أن طرق بابي مراراً مستجدياً حيناً ومهدداً أحياناً ومغرياً بين الحينين فلمَ هذا الإصرار العجيب. فقالت لو تمكن منك لأسلمك للفساد أو ألقاك في سلال الاكتئاب والفشل. فهو يحاول أن يرسم الصورة السوداوية الشاملة للفساد وعرابيه ويستعرض أرصدتهم المتخمة وحديثهم الذي لا ينقطع عن الوطن وعن التفاني. ثم قالت أرجو أن لا تصغي إليه. فقلت لا عليك ياذاتنا الغالية فلا مقام لليأس في حياتي وما دامت سياطنا لا تؤذيك فسأستخدمها لصده ولو بعد حين. ابتسمت ذاتنا وهي ترى التهجم يعلو وجه اليأس ثم قالت بصوت مسموع: مرحى بسياطكم.