الجودة ليست فيما يصنعه الآخرون بل فيمن يورث أجيالاً تصنع المجد، وتورثه للعقول الناشئة التي يتسامى بها العالم أجمع.. ولهذا لم تأتِ الصناعات والاختراعات والاكتشافات الطبية من ذاتها الجمادية، بل أتت بعقول برزت لتأتي بكل ما يحتاج إليه البشر في حياتهم الدنيوية، وبما لا يتجاوز القدر الإلهي. وحينما يبدع السعودي في مجالات يهتم بها العالم، كنجاحات الربيعة في فصل التوائم، وتميز الدكتورة الكريع، وآخرين في الأدب والثقافة والاختراعات التقنية وغيرها، يجد أهلها مسؤولية عظيمة تجاه المجتمع الذين ينتمون إليه، وتتجاوز بهم إلى حدود العالمية. أمس ليس فخراً أن تفوز ابنة مكة المكرمة لينا خالد القحطاني صاحبة العمر الزهيد بجائزة (أنتل) العربي بتميزها في البصمة الكيميائية، وليس فخراً أن تعلو منصة التكريم باسم بنات الوطن فحسب، بل الفخر والاعتزاز أنها لينا التي تجاوزت كل الظروف بأن ترسل رسالة للعالم أجمع، وهي تفتخر لا بمنجزها العلمي، بل براية التوحيد التي أوصموها بأنها راية تدعو للقتل والتغريب.. نعم، تفوقت لينا ابنة السابعة عشرة - إن لم يخب ظني - كسفيرة للوطن بمكتسبها العلمي وهي تقول: أنا ابنة السعودية، وهذه هي رايتي الخضراء.. تقول: أنا ابنة الوطن، وهذا حجابي وعباءتي السوداء التي أوصلتني - بعد الله - إلى أن أكون هنا في الدوحة. أنا ابنة مكة المكرمة، أطهر بقاع الأرض على الوجود، مكة التي احتضنت على مر العصور حجاج بيت الله ومعتمريه من كل فج عميق.. ها هي لينا بكامل حشمتها وأناقتها وبراءتها ترتفع سمواً في قطر لتقول: هذا أنا، ورايتي الخضراء. أبدعت لينا وزملاؤها الشباب من بين ثماني دول عربية بما يزيد على مئة طالب، قدموا (66) مشروعاً علمياً في الطب والعلوم الصحية وعلم الأحياء المجهرية وعلم النبات وعلم الأحياء والعلوم السلوكية والاجتماعية وعلوم الحاسب وعلوم الأرض والكواكب والفيزياء وعلم الفلك والهندسة الكهربائية والميكانيكية والإدارة البيئية والعلوم البيئية والكيمياء والطاقة والنقل وهندسة المواد والهندسة الطبية.. هؤلاء النخبة من التعليم العام أبدعوا باسم الوطن الكبير فكان نتاج ما خرجته مؤسسة الملك عبد العزيز ورجاله للموهبة والإبداع تلك النخبة النموذجية التي سمت بالوطن. وسم الفرح ليس بتفوق لينا القحطاني بل بعقلها الكبير حينما طغت على هيبة المكان وشخصية التكريم وكثرة الحضور، فاعتاد الناس أن تأتي ابنة الوطن مرتبكة، تطوعها مواقف تهز شموخها واعتزازها بقيمها ودينها، الذي ارتضاه كل مسلم فخور بوسطيته المعتدلة، وهي الفتاة السعودية الوحيدة التي علت المنبر بجانب زملائها المتفوقين. هنا لن نقيم شخصية الفتاة السعودية بأنموذجها ولا بكينونتها السامية، وإنما أيضاً بالحفاظ على هويتها الوطنية وافتخارها بالعلم الأخضر.. فشكراً حسن خضري وعبد الكريم الحربي، وشكرا فهد قاسم غزواني وخالد أحمد عطيف ورازي علي العلقم وعبد الجبار الحمود وعبدالله أحمد الطرباق ولينا خالد القحطاني.. أن رفعتم رؤوس مواطنيكم قبل أهليكم. هكذا تكون صناعة المجد من أب وأم، ربيا بسخاء، فاستطاعا أن يرسما لنا تلك النخبة من الأجيال الوطنية التي - بإذن الله - نراهم على ضفاف العلماء في خدمة الوطن الكبير. دمت وطني مفخرة للعلم والعلماء..