آخر مرة زرت فيها البحرين كانت بسبب الانتخابات، ولست أذكر أبدا متى كان ذلك على وجه الضبط. لكنني أذكر تماما أنني لم أمض سوى يوم واحد. وأنني بمحض الصدفة، التقيت في إحدى الدوائر الانتخابية الأمير خليفة بن سلمان، رئيس الوزراء، يدلي بصوته. كان هناك أيضا صحافيون عرب يمثلون صُحفا لم يُعرف عنها أبدا – أو عنهم – التعاطف مع الدولة الصغيرة. وأذكر أن أحدهم اقترب مني وسألني: «هل تعتقد أن هذه الانتخابات نزيهة؟». قلت: غدا تظهر النتائج ونعرف، أنت وأنا والجميع. أُعلنت نتائج الانتخابات في اليوم التالي بفوز جمعية «الوفاق» المعارضة بأكثرية 18 مقعدا برلمانيا. للأسف البحرين ليست في حجم البرازيل، وهذا حجم برلمانها، وهذه مساحة أرضها، بما فيها جزر حوار. الآن المعارضة تقاطع الانتخابات. سوف أقول هنا ما قلته قبل ربع قرن عندما قاطع المسيحيون في لبنان الدعوة إلى الانتخابات النيابية، وهو أن الانتخابات لا تقاطع. إنها دعوة إلى إبداء رأيك وتأكيد موقفك وتثبيت دعواك، فلماذا تقاطعها؟ إما أنك خائف من النتائج – وهذا ليس الحال في البحرين – وإما أنك لا تؤمن في الأساس بنظام الخيار والاقتراع، إلا إذا كان من النوع الذي يمنحك 97 في المائة ويترك 3 في المائة لجميع من تبقى من البشر. وهي نسبة تشكل كرما غير مسبوق مقارنة بما يحصل على 99.999 في المائة، أو مقارنة بما هو 100 في المائة كما حدث في العراق أيام صدام حسين. ولم تكن تلك هي الهرطقة الديمقراطية الكبرى وإنما في تعيين سعدون حمادي رئيسا على البرلمان، وهو رجل من خيرة الناس وأفاضل العقلاء. نحن طارئون على الديمقراطية والبرلمانات وممارسة حرية الاقتراع. ليس كحكومات، بل خصوصا كمعارضة. ولو كانت الدعوة إلى تظاهرات وحرائق وقطع طرقات لوجدت الناس تتدفق. لكن الدعوة إلى الانتخابات والالتقاء في البرلمان هي دعوة إلى استكمال مسار المصالحة الوطنية الذي بدأه الملك حمد بن عيسى منذ اليوم الأول لتوليه المُلك. كانت دعوة مفتوحة لعودة المعارضين إلى البلاد والدخول في حوار مفتوح حول كل شيء. شرط أن يكون الحوار في المجالس، لا في الطرقات، ولا على دوار اللؤلؤة ولا بإحراق رجال الأمن. ومصطلح الحوار يعني وجود فريقين يريدان الاتفاق على ملتقى وطني واحد وليس على دوار مشتعل باستمرار. أضاعت المعارضة الكثير من الوقت ومن الفرص. غير أن مقاطعة الانتخابات أكثر من إضاعة. إنها افتراء.