لو كنت مواطناً مصرياً لعجزت عن فهم الدلالة السياسية في إحراق المحولات الكهربائية وتفجير عربات المترو وحرق حافلات النقل العام، فهي نشاطات إجرامية لا تضر السلطة ولا تمس هيبتها، إنما تؤذي المواطن وتجعله في حالي حرمان وخوف دائمين، لا يمكن أن تكون هذه الحوادث اليومية مجرد أفعال لصوص لأنه لا فائدة مالية منها، ولا يمكن أن تكون عبثاً بحكم تكرارها وخطها الثابت، بل هي فعل ممنهج يريد استنزاف وإرهاق الأمن، وبث رسالة أن البلد غير آمن وأن الناس في كرب شديد. السياسي الخطر الذي ظن أن هذه العمليات البائسة ستؤدي إلى سقوط النظام عبر رفع وتيرة التذمر الاجتماعي ما يؤدي إلى قيام ثورة مضادة، إما أنه لا يعرف الشارع المصري وطبيعته، وإما أن حقده الشخصي على الرئيس السيسي تركز في الانتقام منه حتى إن خربت مصر وتدمرت مقوماتها وعاش الناس تحت سماء الرعب والخوف، لأن كل ما يعنيه هو السلطة حتى لو كان حصادها لا يتم إلا عبر هدر الدماء ونشر الخراب. هذه الأفعال الإجرامية حال يأس من جماعة «الإخوان»، التي لم تدرك بعد أن النظام صلب ومتماسك يزداد قوة وفعلاً في محيطيه الإقليمي والدولي، ويحظى باحترام وثقة متناميين يشكلان بداية طريق النجاح وتجاوز مأزق بلد عاش ثلاثة أعوام من دون اقتصاد، ولم تعِ أن الشعب ماض في طريقه وموقن بخياره، فهو انتخب السيسي من دون أن تكون له حملة ترويجية، وقبل برضا نادر، رفع الدعم الذي عجز كل الذين قبله عن مجرد التفكير به، وتحمل انقطاعات الكهرباء وشح الوقود، وعزز ثقته بإقباله على شهادات استثمار قناة السويس التي تعني الرهان على المستقبل والاطمئنان إليه، وتحدى الرعب الذي تبثه التفجيرات المتفرقة. هذه الحرائق والتفجيرات ضحيتها الأول هو المواطن الذي يتوهم «الإخوان» أنه سينتفض للمطالبة بعودتهم، هل من المنطق أن يؤيد الفرد من يريد قتله وينغص حياته ويهدد حياة أسرته ويقطع رزقه؟ هل من المعقول أن المصري شديد الاعتزاز بهويته الوطنية يرضى بخراب بلده وتفكيك اقتصادها؟ وهل يسمع جماعة لا تصدر منها سوى أصوات الانفجارات ونيران الحرائق؟ هل الشتائم والسخرية في الوسائل الإعلامية المعارضة هي الطريقة التي ستوقد شعلة ثورة لا توجد إلا في خيال البعض؟ لم تكن حركة 30 يونيو انقلاباً، فها هو المشهد يتكرر في تونس وفق انتخابات نزيهة لا يشكك بها أحد، على رغم أن «النهضة» أكثر مرونة ومحاولة للتقرب من الشعب الذي وجد أن جيل بورقيبة وسياسيه هم بوابة الإنقاذ بعد تجربة مريرة مع حكم مرتبك لـ«الإخوان». مصر ليست كعكة يلتهمها الأقوى ومن يصل أولاً، بل هي دور وتأثير وحضارة وعمود محوري في النسيج العربي والأفريقي والإسلامي، ولن تكون لعبة في يد طفل. العالم بأجمعه «متآمر» مع مصر السيسي ويواليها ويستعين بها، فهل سيتبخر كل هذا لأن قنبلة صوتية ألقيت في محطة مترو لإرهاب الأبرياء وقتلهم إن أمكن؟ لو كان «الإخوان» محنكين وخبراء سياسية وذوي غيرة على وطنهم وأهاليهم لحاولوا استدراك أخطائهم ومعالجتها، ولاستفادوا من شقيقتهم المتمردة «النهضة»، لكنه الغيظ والغضب والنقمة، وهي أشياء تقتل صاحبها قبل خصمه.