عام 1990م اكتشف المنقِّبون قبوراً غير محنَّطة، وأدركوا لاحقاً أنها قبور باني الأهرام، والاكتشاف الذي أثار الجدل والدهشة هو أنه عكس الاعتقاد الشائع، فإن بناة الأهرام لم يكونوا عبيداً بل أحراراً، كانوا موظفين متعاقدين وكانوا يفتخرون بعملهم، وتشير الأدلة في القبور إلى أن 10 آلاف عامل أغلبهم من عوائل فقيرة شيّدوا تلك المعالم البديعة، وإذا توفي أحدهم وظّفوا غيره، وذلك لمدة 30 عاماً إلى أن يكملوا بناء الهرم، وأما كونهم عبيداً فأتت من أفلام هوليوود الملأى عن آخرها بالأكاذيب. هذه من حقائق الأهرام الحديثة، وعندما أقول «الأهرام» فأقصدها كلها، فطبعاً الكل يعرف الأهرام الثلاثة، لكن أقدم هرم مصري معروف اليوم هو هرم زوسر ذو المظهر البدائي مقارنة بالأهرام المعروفة، فهذا البناء العتيق شُيِّدَ ابتداءً من عام 2667 قبل الميلاد ليكون مَدفناً للملك بنفس الاسم، ورغم أن قدماء المصريين برعوا في بناء الأهرام إلا أن الزمن لم يكن بيدهم طبعاً، فيأخذ الهرم وقتاً طويلاً يبلغ أحياناً عشرات السنين يموت أثناءه الفرعون، وقد كان معدل الحياة للناس آنذاك قصيراً أصلاً، فالعادة أن يموت الشخص قبل سن الأربعين (بسبب الأمراض وما إلى ذلك)، غير أن زوسر كان محظوظاً في أن البُناة أتمّوا الهرم في حياته وعاش ليراه، وفي داخل الهرم قبر الملك زوسر ونقوش متنوعة على جدران هرمه. عند الحديث عن الفراعنة والأهرام يَبرُز سؤال: لماذا كان الفراعنة متعلقين ببناء القبور والمدافن؟.. لماذا صرفوا الأموال الطائلة ووظّفوا جيوشاً من العمّال واهتموا بالغ الاهتمام ببناء تلك القبور؟.. السبب هو أن الحياة الآخرة كانت جزءاً أساسياً من دين وثقافة الأمة المصرية القديمة، وإذا تأملنا النقوش الهيروغليفية والآثار المصرية رأينا تركيزاً مكثفاً يكاد يصل إلى حد الهوس بالحياة الآخرة، وكان هذا جزءاًَ من حياتهم اليومية، لذلك كان كل شيء يُؤخذ في الحسبان لكي يوصل الميت إلى الدار الآخرة سالماً - حسب أديانهم الوثنية -، فكان من اعتقاد المصريين أن الشخص العادي الثري إذا مات فإنه في الدار الآخرة يحتفظ بأمواله لكن يرتاح من مساوئ الدنيا، وأما الفقير فإنه يصير ثرياً، وأما الملك فيكون إلهاً حسب اعتقاداتهم الباطلة، ولهذا ظهر التحنيط كوسيلة لنقل الشخص إلى الدار الآخرة بطريقة سليمة، غير أن الشخص العادي لم يَسَعه أن يُحنَّط كما يُحنَّط الفرعون بسبب غلاء التحنيط المتقَن، فكان يطلب تحنيطه حسب ماله، ومن طرق استعدادهم للآخرة أن يدفنوا الأموال مع الميت ظانين أنه سينتفع بها. الأهرام.. يا لها من أبنية خلاّبة، وكم من أمم ودول وملاحم أتت وولّت وبقيت الأهرام شاهداً صامتاً على مر القرون.