في كتابه الصادر عن دار مدارك بعنوان خمسون عاماً في الإدارة التنفيذية يقول الدكتور إبراهيم المنيف - رحمه الله تعالى - وهو الخبير الإداري المعروف والكتاب هو سيرة ذاتية عن تجاربه في الإدارة، أن سبب عدم تقدم العرب يعود دوماً إلى تأخرهم في مجال الإدارة، ويورد رأياً مهماً للدكتور محمد الرميحي حول الموضوع حيث يقول: «لقد خضنا نحن العرب حروباً عديدة في العقود الأربعة الماضية، وكان ما فشلنا فيه هو إدارة الجيوش، فأنت تقرأ اليوم مذكرات القادة، وقصص الزعماء، فتعرف أن الجيش الذي حارب كانت تنقصه الذخيرة أو الزاد وحتى الماء أو المعارف، وكل ذلك نقص شديد في الإدارة، إدارة الحروب. ثم تقرأ عن معاهدات السلم التي وقعت وتقرأ عن نقائصها وثغراتها وكل ذاك مرجعه نقص في إدارة مفاوضات السلام! وتقرأ عن فشل المؤسسات في تحقيق أهدافها الصناعية والخدمية والتعليمية والإعلامية، وهو نقص أساسي في إدارة تلك المؤسسات من حيث البشر أو الموارد، أو كليهما معاً. وأن أكبر معوق لنجاح الإدارة في مؤسساتنا العربية هو عدم اعترافنا بأهمية دور هذه الإدارة، وقد قيل: عندما تقلل من قدرات عدوك يهزمك. وقد قللنا من أهمية الإدارة حتى هزمتنا». مما سبق يظهر لي بشكل جلي أهمية أمر الإدارة، خصوصاً في عصر مثل عصرنا الحديث، ويندرج تحت الإدارة أو يجاورها في معناها، مفهوم مهم جداً أيضاً ألا وهو مفهوم القيادة، ويضاف إلى معضلة الإدارة لدينا حسب وصف الخبراء أعلاه، معضلة أخرى وهي إعداد القادة فهي لا تقل خطورة عن معضلة الإدارة وتطبيقها ككل في عالمنا العربي العزيز، وأدبيات القادة والقيادة وإعداد القادة دائماً ما تشغل بال الكثيرين ممن يمارسون أعمالهم في أبسط المؤسسات والشركات وفي أكبرها. من هذا الباب نجد أنه قد برز أشخاص ملهمون - وقياديون بطبيعة الحال - مهمتهم ودورهم هو صنع القادة أو تدريبهم وصقلهم ليتولوا الدفة جيلاً بعد جيل، ومن أبرز مدربي القيادة العالميين هو الأمريكي مارشال قولسمث، واشتهر مارشال بتدريب القياديين التنفيذيين حول العالم وكذلك بالكتابة حول هذا الموضوع، وفي كتابه الذي ألفه بعنوان: «ما أوصلك إلى هنا لن يوصلك إلى هناك»، نجد على غلاف الكتاب صورة لرجل يتسلق سلماً إلى نهايته ثم تراه يفاجأ بوجود ثغرة بين السلم الذي يصعده وسلم آخر فوقه، والسلم الآخر بعيد عنه بحيث لن يصل إليه ويكمل الصعود، وكأن في الصورة تلخيصاً لمحتوى الكتاب الذي يلخص فيه عن الأشياء التي تضر القيادي أو القيادة في الطريق نحو الكمال والفعالية والكفاءة. في الكتاب جزء مثير للاهتمام يتحدث عن عشرين نقطة تدور حول العيوب والنواقص التي يتعرض لها القيادي وتؤدي إلى تصدع مهارات القيادة لديه، أو ما يسمونها بالمهارات الشخصية «Interpersonal behavior»، والتي تؤثر بدورها على سلوكه الشخصي وعلاقته بالآخرين، وكل إنسان في واقع الحال - غالباً - لن يبلغ من الكمال والتقدم والاجتهاد آخره، فكل الناس لديهم قصور، وبالتالي لن يسلم منها أو من بعضها، لكن الفارق هو مقاومتها والانتباه لها وتجنبها، والتخفيف منها. في المقال اللاحق إن شاء الله تعالى، سأحاول إجمال النقاط العشرين وأسردها مع وصف يقابل كل واحدة منها؛ لعلها تشد من عضد القادة والقيادة وتحميهما من التصدعات والعيوب، فإلى ذلك الحين.. لكم كل المودة.