تعيش الدول والمجتمعات الإسلامية بوجه عام و الدول والمجتمعات العربية بوجه خاص واقعا مريرا هو الأشد والأخطر على مدى تاريخها المعاصر، ويتمثل ذلك بصعود ظاهرة المجموعات الإرهابية/ التكفيرية، التي تتمدد وتتناسل كالسرطان على امتداد المنطقة العربية، وهو ما ينذر بتفتتها وتذررها وفقا لكيانات ودويلات مذهبية وعرقية وقبلية ومناطقية تتقاتل وتتناحر بعبثية ووحشية فيما بينها وفي داخلها، في حرب الجميع ضد الجميع وفقا لـ»هوبز» وهو ما يعني حكما خروج العرب من التاريخ. هذه التحديات والمخاطر يعزوها البعض إلى عوامل خارجية، تتمثل بنظرية المؤامرة، التي تتجسد في المخططات الإستراتيجية للولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية الأخرى ناهيك عن إسرائيل وبعض الدول الإقليمية، وذلك عبر العمل على شرذمة وإضعاف وتقسيم البلدان العربية لضمان ديمومة مصالحها في المنطقة إلى جانب إبقاء إسرائيل الدولة الإقليمية الكبرى، فيما يعزو آخرون السبب، إلى إجهاض مشروع النهضة والتنوير منذ منتصف القرن التاسع عشر في العالم العربي، وبالتالي الفشل في إحداث قطيعة مع الماضي والتراث، وفشله في تمثل قيم الحضارة الغربية والأخذ بمستلزمات الحداثة والمدنية المعاصرة في مفاصلها (الحرية، المساواة، العقلانية، العلمانية، المواطنة) الأساسية، وفي الواقع فأن هناك تداخل ما بين التشخيصين. غير أنه في ظل الأزمة البنيوية المركبة التي تشمل الواقع بكل تجلياته الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية الذي افرز البديل الهمجي/ الوحشي المتمثل بالجماعات الإرهابية/ التكفيرية على غرار القاعدة وداعش وجبهة النصرة والعشرات من المجموعات المماثلة على امتداد المنطقة العربية والإسلامية. تبرز موضوعة الإصلاح الديني باعتبارها الحلقة المركزية في مواجهة الانهيار الشامل للدول والمجتمعات العربية. وهنا علينا التفريق بين الإسلام في نصه الثابت والمؤسس (القرآن الكريم) والصحيح وقطعي الدلالة في السيرة والحديث النبوي ، وبين القراءة البشرية التالية له، وهي بالضرورة متعددة، وتصل إلى حد الاختلاف الحاد بين الفقهاء والمفسرين والمجتهدين، نظرا لتباين قدراتهم ومعارفهم وخياراتهم، ضمن سياق بيئة اجتماعية - ثقافية- سياسية متغيرة وغير مستقرة، بفعل التطورات التاريخية و الموضوعية، نذكر من بينها بروز الصراع والتنافس في السقيفة والنبي محمد(ص) لا يزال مسجى، ثم تفجر ما سمي بالفتنة الكبرى في مرحلة الخليفة عثمان بن عفان، واندلاع الحرب الأهلية في عهد الإمام علي، واستشهاد الإمام الحسين بن علي على يد جنود يزيد بن معاوية، وتحول الخلافة إلى حكم وراثي منذ العهد الأموي ومرورا بالعهد العباسي وانتهاء بالعهد العثماني. غير أن تلك الخلافات والصراعات الداخلية لم تكن عائقاً أمام اتساع و تمدد الإسلام، على الجزء الأكبر من العالم القديم . ولم يتحقق ذلك من خلال التمدد الجغرافي والتوسع في الفتوح في المقام الأول، بل حدث نتيجة الانفتاح والتفاعل الحضاري بين الوافد (الإسلام) الجديد، والحضارات والثقافات المجايلة (الفارسية والرومانية) له أو السابقة (اليونانية) عليه، والتي نتج عنها حضارة جديدة لها مقوماتها وقسماتها المميزة. وتمثلت بالحضارة العربية -الإسلامية التي تميزت بالانفتاح والحيوية والتعددية، في شتى مناحي الحياة المادية، وفي الجوانب الدينية، الفكرية، العلمية، والأدبية التي استمرت عدة قرون، إلى أن دخلت بفعل عوامل مختلفة مرحلة التراجع ثم الانهيار المتمثل في عصور الانحطاط والبيات الحضاري التي مرت بها المجتمعات العربية الإسلامية على مدى (باستثناء فترة الحضارة الإسلامية في الأندلس) ثمانية قرون، انقطع فيها باب الاجتهاد، وعم الجهل، الخرافة، الهلوسة، الخزعبلات، التواكل، والخمول بين الناس، والتي كرستها ثقافة دينية تقليدية، تتمسك بالقشور وتعتبره جوهر الدين الصحيح، المعبر عن موقف الفرقة الناجية. وبما أن الإسلام منقسم إلى عشرات الفرق والمذاهب والجماعات، فكل واحدة منها اعتبرت نفسها هي تلك الفرقة، وما عداها في ضلال، مشمول بالتكفير والتبديع والتفسيق، بل ومهدد بالإلغاء والتصفية الجسدية. الخطاب الديني المتزمت و المتقنّع بالدين لدى كل المذاهب، عمل على تكريس هيمنته واستلاب وتزييف وعي العامة، وهو لا يزال محتفظا بتأثيره القوي، وقدرته على الحياة والتناسل والتمدد في وقتنا الحاضر، وذلك من خلال المجموعات الإرهابية/ التكفيرية، مستفيداً من حالة التخلف البنيوي الشامل وخصوصا في وعي المجتمع، ولما يتمتع به من هامش كبير للمناورة والالتفاف، خصوصا في الأماكن التي تضعف فيها الدولة نتيجة تفشي النزاعات والصراعات الداخلية، حيث يجري تكريس سلطة ثقافية - تراثية ماضوية، رجعية، تستند إلى الجانب المعتم (وليس المضيء) في الحضارة العربية/ الإسلامية، وذلك بفعل ديناميكية التنشيط والتأجيج المستمر للعواطف والمشاعر البدائية والممارسات المتوحشة على غرار القتل على الهوية، و قطع الرؤوس وسبي النساء والأطفال، والتي أضفى عليها هالة من التقديس وأصبحت من وجهة نظرهم، وبشكل إرادوي وتشويه متعمد، نابعة من منظومة الدين.