×
محافظة الرياض

إعداد متخصصين في التعليم الشامل لذوي الإعاقة

صورة الخبر

يستغرب قيام تحالف كبير لمواجهة داعش دون أثر ملحوظ، إنه ليس من المعقول أن بضعة آلاف من المقاتلين، لا يملكون طائرات ولا صواريخ، ولا أسلحة نوويّة ولا كيماوية ولا بيولوجية، ولا مصانع ذخيرة، إنما أسلحة فردية وبعض آليات استولوا عليها من قطاعات جيوش بدا أنها منسحبة غير مقاتلة وبعضها حازوه من إسقاط التحالف عليهم بالخطأ كما يدعي. كيف تصبح هذه الأعداد البسيطة ندا لحلف الناتو، وتحالف دولي كبير، يدار بغرفة عمليات على مستوى العالم، يحوي عقولا عسكرية كبيرة وخبرات قيادية للجيوش والحروب، وأموالا، وأجهزة تجسس، وحشدا إعلاميا ضخما وقنوات فضائية، وحربا نفسية، وتجييشاً للعالم كاملا ضد داعش، ثم لا يقضي عليهم بل ولا يوقف تمددهم، إن إقناع البسطاء بذلك يصادم أدنى مقومات التفكير البسيط. والتحليل الأقرب أن ما يجري ابتزاز للمنطقة وتوظيف للإرهاب في آن واحد وهو نسخة مشابهة لمواجهات دولية ساخنة أشغلت العالم سنوات طويلة، وأصبحت سمة بارزة للنظام الدولي الجديد، واستنتاج ذلك يسير ولن تخفى النتيجة على ذي بصيرة. إن أمريكا أعلنت توقعاتها لحرب قادمة قبل أن يشرف القرن العشرين على الرحيل، وبشرت بأن حرب القرن القادم هي من نوع مختلف، فهي ليست بين دول متحاربة، وليست بين جيوش متكافئة، بل ستكون ملاحقة عدو مختلف، يتمثل بأفراد وجماعات وعصابات متفرقة ومتناثرة، ومنتشرة في ثنايا ما يسمى بشعوب العالم الثالث، وكان أكثر صراحة من أشار منهم إلى أن العدو القادم يتمثل بالإسلام السياسي. إننا نختلف مع تيارات الإسلام السياسي في توجهاتهم لتسييس الدين والسعي للسيطرة على الحكم في بلدانهم عبر الفتن وتهييج الناس لذلك، لكننا نعتقد أن إستراتيجية أمريكا ودول الغرب تسعى لتأمين مصالحهم في المنطقة العربية والإسلامية ولو بتفتيت المنطقة وتمزيقها لتحقيق مرادهم دون كلفة كبيرة بأيدي غيرهم ما أمكن، فإذا كان بأيد من المنطقة فذاك نجاح أكبر، فالمهم هو تحقيق إستراتيجيتهم بأقل كلفة فكيف إذا تحققت بمكاسب، ذلك ما لم يحلم به لولا تفكك معظم البلدان العربية من الداخل وأطماع دول إقليمية مع توظيف الإرهاب وتيارات الإسلام السياسي فيما يخدم أهدافهم ولو ادعوا إقامة الخلافة. فتلك التصريحات الأمريكية كانت قبل ظهور القاعدة، وقبل استيلاء طالبان على أفغانستان ما يعني أن اختلاق أمريكا عدوا يبرر تدخلها في المنطقة مطلب مهم، ومتى كان ذلك العدو وسيلة لزعزعة المنطقة وهو غاية في مقدورهم تدميره متى لزم الأمر فقد اجتمع لهم المراد كله. إن السعي بتضخيم العدو المختلق، والنفخ الدائم في تضخيمه يهدف لإحداث مساحة كبيرة بشعة متخيلة في أذهان الناس عنه لابتزاز المنطقة به، كما يهدف لخلق مساحة أوسع في الرأي العام العالمي لخلق المبررات لشن الحرب عليه متى شاؤوا، فتغذية الانطباعات المخيفة والمشاعر والإحساس بالخطر لدى شعوب المنطقة العربية ودولها يسهل ابتزازها اقتصاديا وسياسيا وعسكريا، أما تهويل الأمور لدى الشعوب الغربية وشعوب العالم فلتسهيل الحشد وتعبئة الرأي العام، الذي يصلح كغطاء لشن الحروب واحتلال البلدان، وتحريك جيوش وإنشاء تحالفات، ولو بافتعال حدث صادم قادر على لفت الأنظار وتحريك العواطف وإثارة بركان من الغضب للوصول لمرادهم وكأنهم بذلك يتجاوبون مع مشاعر الناس وانفعالاتهم. هذه عادة النظام العالمي الجديد فقد ضخمت خطر القاعدة بعد انكسار الاتحاد السوفيتي في أفغانستان للقيام بما يريدون هناك، كما جرى تضخيم صدام وزعموا أن لديه أسلحة كيماوية وبيولوجية ثم تبين عدم وجودها، واليوم يجري تضخيم "داعش" بترويج جرائمها والذبح الذي تقوم به بطريقة مقززة ومهينة للوصول إلى مستوى إثارة يصلح للحشد الدولي للحرب لكن متى أرادوا ذلك هم. لقد أصبح العالم يدار من تجار صناع الأسلحة وشركات النفط، وسماسرة الدم والرعب العالمي، ولتبقى هذه التجارة مستمرة، والمصانع عاملة، لا بد من افتعال حروب عالمية ولا بد من صناعة أعداء يستحقون الحروب، فالعدو مصنوع، والحروب مصطنعة، والمشكلة الكبرى تتجلى بأن العدو المصنوع من بيننا، والحروب على أرضنا، والتمويل من نفطنا، والدماء السائلة من دمائنا، والأثرياء والخبراء والمدراء من خارجنا. إن على العرب والمسلمين الحذر من هذا المكر والابتزاز الغربي وتواطؤ من لهم مصالح في المنطقة والتصدي للإرهاب وصناعه بإستراتيجيتنا إن أردنا إيقافه وقطع الطريق على المستفيدين منه. الباحث والمستشار بمركز علوم القرآن والسنة