الهواتف الذكية تجبر الوعاظ على تغيير أساليبهم يتجه الكثير من المسيحيين الآن إلى التطبيقات والرسوم الهزلية كوسيلة للتعبير عن معتقداتهم وآرائهم الدينية بدلا من التعبير عنها في الكنائس، ما أثار تساؤلات عديدة حول مستقبل الديانة الأكبر في العالم.العرب [نُشر في 2017/03/03، العدد: 10560، ص(19)]سيلفي مع القداسة لندن - عندما وصل القس بيت فيليبس إلى مدينة دورهام في عام 2008 طرده أحد الأشخاص من كاتدرائية المدينة لأنه كان يقرأ الإنجيل على هاتفه المحمول أثناء جلوسه على أحد المقاعد الخشبية. حيث لا يُسمح بدخول الهواتف المحمولة إلى مكان العبادة، وبالطبع لن يصدق الشخص الذي طرده أنه كان يستخدم الهاتف للعبادة. ويقول فيليبس، وهو مدير مركز كوديك للأبحاث في مجال اللاهوت الرقمي بجامعة دورهام في المملكة المتحدة، “شعرت بالاستياء حينذاك”. لكن سياسة الكاتدرائية تغيرت الآن لتواكب التطورات الحديثة. وفي العام القادم سيكون قد مرّ على إنشاء كاتدرائية دورهام ألف عام. ويقول فيليبس “يُسمح للناس الآن بالتقاط الصور، واستخدام الهواتف لأغراض العبادة أو لأي غرض كان. لأنك لو منعت الناس الآن من استخدام الهاتف فكأنك تطلب منهم أن يقطعوا أذرعهم”. إنه من الصعب أن ندير ظهورنا للهواتف الذكية ومواقع التواصل الاجتماعي بعد أن تغلغلت في كل جوانب حياتنا، وأصبحت تغير من الطريقة التي يمارس بها الناس العبادة. وتستخدم المؤسسات الدينية الآن وسائل التواصل عبر الإنترنت لمساعدة الناس في نشر أفكارهم والتعبّد والتقرب إلى الله من خلالها. ويضيف فيلييس “لكن هذه الوسائل التكنولوجية ساهمت في تشكيل شخصية المتدينين وغيّرت من سلوكياتهم”. إن أغلب الناس الذين يمعنون النظر في هواتفهم في الكنائس ربما يقرأون الإنجيل على تطبيق يسمّى “يوفيرجن”. وهذا التطبيق حمَّله أكثر من 260 مليون شخص حول العالم منذ إطلاقه في عام 2008. وتوجد تطبيقات شهيرة أخرى للقرآن والتوراة. وتقول الشركة التي أطلقت تطبيق يوفيرجن، إن مستخدميه قضوا حتى الآن ما يزيد على 235 مليار دقيقة في استخدامه وحملوا نحو 636 مليون آية من الإنجيل. لكن قراءة الإنجيل على هذا النحو تغير من الطريقة التي يستشعر بها الناس الإنجيل بشكل عام.مواقع التواصل الاجتماعي ساعدت الناس في تشكيل الدين بما يتناسب مع ميولاتهم الشخصية ويستكشف الآن بعض الباحثين، ومنهم فيلييس، كيف يؤثر التفاعل مع الإنجيل في نسخته الرقمية المصغرة على تشكيل آراء الناس. إذ قد تؤثر الطريقة التي تقرأ بها الكتب السماوية على كيفية تأويلهم لها. لكن في الوقت نفسه، ساهم انتشار مواقع التواصل الاجتماعي ولامركزية النشاط الديني في دعم فرع مستقل من العبادات في الدين المسيحي الذي ازدهر في الآونة الأخيرة. فيرى كثيرون أنه ليس من الضروري التردد على الكنيسة للعبادة. ومن خلال بث آيات الإنجيل عبر التطبيقات ومواقع التواصل الاجتماعي، يستطيع الناس التعبد والتعبير عن إيمانهم بمنأى عن الآخرين. ويقول فيليبس “ظهر نوع جديد من الديانة المسيحية المعدلة لتوافق العصر الرقمي. هذا النوع يلتزم بالكثير من المبادئ الأخلاقية العلمانية”. ويعرف هذا الشكل من أشكال الإيمان الذي يقر بأن الله خلق الكون ووضع النظام الأخلاقي ولكنه ينكر تدخله في حياة الخلق باسم “الربوبية الأخلاقية”. ويركز هذا الشكل على الجانب الخيري والأخلاقي للإنجيل، وهي المبادئ الأساسية التي يقوم عليها الدين، ويتغافل عن أن خالق الكون إله بصير وقدير. وقد وصف علماء الاجتماع هذا النوع من الإيمان للمرة الأولى في عام 2005، ولكن شبكة الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي عملا على نشره على نطاق واسع. كما أن نشر الآيات عبر مواقع التواصل الاجتماعي يتيح للناس اختيار الآيات التي يريدون قراءتها بدلا من الجلوس والاستماع إلى الآيات التي يختارها لهم القس الأحد في الكنيسة. ويتوقف انتشار آيات الإنجيل على تقبل الناس لها، فكلما زاد قبولها زاد انتشارها. وتقول هايدي كامبل من جامعة تكساس والتي تدرس الدين والثقافة الرقمية، “إن الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي يساعدان الناس في تشكيل الدين بما يتناسب مع ميولهم الشخصية وبطرق ملموسة. فقد أتيح لنا قدر أكبر من المعلومات والآراء وأصبح بإمكاننا أن نحدد بأنفسنا الإيقاع والمسار الديني اللذين يتناسبان مع شخصياتنا”. وهذا يتضمن تناقل صور تظهر الشخصيات المقدسة في إطار هزلي. ومن أشهر هذه الصور الهزلية تلك الصورة التي تظهر المسيح يُعلم مجموعة من الحواريين والتي حققت انتشارا واسعا في عام 2012 وأضيف إليها الكثير من التعليقات التي تعرض الآيات الدينية باللغة العامية ولم تقل شهرتها حتى الآن. ومن بين الصور المنتشرة الأخرى تصوير المسيح وهو يرتدي زي الأرنب “باني” أو كمؤيد للحزب الجمهوري. ورغم أن الكثير من هذه الصور الهزلية كان الغرض منها في البداية التندر والتهكم، إلا أنها تُستغل الآن لنشر الأفكار الدينية أيضا. وتقول كامبل إنه في مختلف الأديان الآن، وليس المسيحية فحسب، تراجعت أهمية الواعظ الذي يعتلي المنبر كمصدر للمعلومات الدينية. وتضيف “يعتمد الناس على الوسائل الرقمية للتواصل مع الآخرين. والناس الذين يأتون إلى أماكن العبادة لديهم توقعات لصورة المجتمع والقدر الذي سيتاح لهم من الحرية فيها، ولهذا فإما أن تغير المؤسسات الدينية أساليبها لتواكب الوضع الجديد، وإما أنها ستصبح استثناء عن الآخرين”.