يبدو أن تفاهما قد حصل في قمة العشرين بشأن الطاقة. ويتوقع بموجب هذا التفاهم إنشاء تنظيم أعلى من أوبيك خلال عام 2015 للحفاظ على أمن الطاقة وإمداداتها مع فتح الأسواق والشفافية في التسعير. ولكن حتى لو كتب لتنظيم من هذا القبيل النجاح في المستقبل، إلا أنه لا يمكن النظر إليه كأحد الحلول العاجلة لإيقاف التدهور المستمر في أسعار النفط العالمية التي هبطت بشكل حاد منذ أواخر يونيو حتى يوم الاثنين الماضي (17/11/2014) بنسبة لا تقل عن 33%، ليصل سعر خام برنت القياسي إلى ما دون الثمانين دولارا (78.90) لأول مرة منذ أربع سنوات. والوضع القائم في سوق النفط العالمية يمكن أن يلخص بالتالي: قدرت الوكالة الدولية للطاقة النمو في الطلب خلال 2014 بحدود 700 ألف برميل في اليوم، ولكن العرض ارتفع من 92.4 مليون برميل/اليوم في أكتوبر 2013 إلى 94.2 مليون برميل/ اليوم في أكتوبر 2014، بزيادة قدرها 2.7 مليون برميل/ اليوم، منها 1.8 مليون برميل/ اليوم من منتجين خارج أوبيك، والباقي 900 ألف من أوبيك. وبالتالي، فإن هذه الزيادة في العرض على الطلب ضغطت وما زالت تضغط بقوة على الأسعار حتى أوصلتها إلى ما وصلت إليه، وما زالت الأسعار مرشحة لمزيد من الانخفاض ما لم يتم التوافق على تخفيض مهم في الكميات المنتجة. ولذلك يتطلع العالم لاجتماع دول مجموعة الأوبيك يوم الخميس القادم 27/11/2014، باعتباره مفصليا في مستقبل أسعار الطاقة النفطية، بل وفي مستقبل المنظمة ومدى قدرتها على مواجهة التحديات. وللتعرف على مصادر الزيادة في عرض النفط في السوق العالمية، فبجانب ما أشرنا إليه من تزايد العرض من خارج أوبيك، علينا عدم تجاهل ارتفاع إنتاج النفط الأمريكي من مصادر تقليدية وصخرية إلى 9 ملايين برميل/اليوم، وهو مستوى يكاد يطاول الإنتاج السعودي 9.6 ملايين برميل/اليوم، مع توسيع شبكة النقل بالأنابيب من الوسط باتجاه خليج المكسيك لتزويد المصافي، وهو ما انعكس بدوره على استغناء الولايات المتحدة عن استيراد النفط من دول غرب أفريقيا، وفي مقدمتها نيجيريا، وهو ما يعني توفر كميات إضافية من النفط الأفريقي التي تبحث عن زبائن. وزاد الطين بلة أن الاقتصاد الياباني دخل الآن في ركود، والصيني يتباطأ في النمو، والأوربي يعطي إشارات مختلطة ترجح فيها السلبية، وهو ما ينعكس ــ بدوره ــ على مزيد من الانخفاض في الطلب، خصوصا بعد توفر النفط الأفريقي للتصدير إلى أوروبا. وعلى عكس ما كان متوقعا، فإن النفط العراقي استمر بالتدفق شمالا وجنوبا بمعدلات قياسية تخطت مرحلة ما قبل الحرب، ويتوقع ضخ المزيد بعد التفاهم الأخير أوائل هذا الأسبوع بين حكومة كردستان وحكومة المركز. أما بالنسبة للنفط الليبي، فقد عاد إلى معدلات إنتاجه القديمة رغم وجود حكومتين في حالة صراع على كل شيء، إلا أنهما متفقتان على أمر واحد هو تصدير مزيد من النفط. وبالتالي، فقد أسهمت كل هذه العوامل في سعي كافة دول أوبيك لصيانة حصصها الإنتاجية، وفي مقدمتها الكويت وإيـران والمملكة، فيما بدا وكأنه حرب أسعار خاصة في شرق آسيا. تلك الحصص التي أصبحت تشهد تهديدا حقيقيا بسبب التباطؤ في اقتصاديات المنطقة، إضافة لبدء وصول شحنات منتظمة من بترول شمال (الاسكا) إلى كوريا الجنوبية. والمطلوب اليوم هو تخفيض كميات النفط التي تضخها أوبيك في السوق يوميا، والتي تبلغ حاليا 30.60 مليون برميل/اليوم بمقدار يتراوح فيما بين 1 و1.5 مليون برميل/ اليوم، وهو الأمر الذي ترفضه السعودية، خصوصا أنها خفضت إنتاجها فعلا في أكتوبر، وتتوقع أن يشترك باقي الأعضاء في تحمل نصيبهم من التخفيض، وألا تستخدم هي المرونة في طاقتها الإنتاجية الاحتياطية لخدمة آخرين داخل وخارج أوبيك كما حدث في الثمانينات من القرن الماضي عندما تحملت وحدها عبء الحفاظ على تماسك الأسعار العالمية على حساب حصتها الإنتاجية وعائداتها. ولعل هذا ما دفع ببعض الدول المنتجة داخل أوبيك لاستشعار خطورة الموقف، لتعقد الكويت جلسة مشتركة بين مجلس الوزراء والمجلس الأعلى للنفط لتدارس تأثيرات ما يجري على الموازنة العامة للدولة ومستوى الإنفاق، وبوزير النفط الإيراني لزيارة الكويت والإمارات للتنسيق بشأن الكميات والأسعار، وبرئيس فنزويلا للتصريح بضرورة التنسيق مع الدول المنتجة خارج أوبيك من أجل مصلحة الجميع. ويبدو أن زيارة لوزير الخارجية الفنزويلي لموسكو أثمرت توقع وصول رئيس شركة النفط الروسية الحكومية (روزنفط) إلى فيينا يوم 25 نوفمبر القادم، أي قبل اجتماع أوبيك بيومين. والأمل قائم بتفهم أعضاء أوبيك والمنتجين خارج المنظمة لخطورة الموقف الذي يهدد إيراداتهم وإنفاقهم وخططهم التنموية ليتوصلوا إلى حلول ترضي الجميع وتحفظ المكتسبات، خصوصا أن مؤشرات التطورات المستقبلية لا تبشر بخير ما لم يتم التدخل المناسب قبل فوات الأوان.