×
محافظة المنطقة الشرقية

خطيب المسجد الحرام يشدد على وجوب السمع والطاعة لولاة أمر المسلمين

صورة الخبر

انتهت أعمال المؤتمر الذي انعقد في المنامة لمكافحة تمويل الإرهاب في التاسع من نوفمبر (تشرين الثاني) على عدة قرارات وتوصيات «تقنية» في أغلبها، للعمل على تضييق الخناق على حركة غسل الأموال التي تصل في نهاية مطافها إلى أيدي جماعات إرهابية، وكانت البحرين قد دعت إلى هذا الاجتماع استكمالا لدورها في التحالف الدولي الذي دعت إليه الولايات المتحدة للحرب على ما يسمى تنظيم «داعش»، وانضمت إليه أكثر من 33 دولة. انتهى المؤتمر وبقي سؤال مشروع مطروحا على الأقل في دول عربية كالبحرين، كالسعودية، كمصر، وحتى في سوريا: لِمَ وافقت حكومات عربية على الدخول في هذا التحالف من دون ضمانات لإدراج الجماعات الإرهابية الأخرى التي تهدد أمن دول التحالف وحصر الإرهاب في «داعش»؟! إن النصيب الأكبر من تكلفة هذه الحرب تدفعه الدول الخليجية ومساهمتها في الطلعات القتالية هي الأبرز، لكنها فوجئت بأن أمنها ليس له أهمية عند من دعا إلى التحالف ضد الإرهاب، بل الأدهى أن من دعا لمحاربة الإرهاب يعقد الصفقات السرية مع من يرعى الإرهاب بعد التسريبات حول اللقاءات الإيرانية الأميركية والاتفاقيات التي جرت من وراء ظهورهم، والجميع يعرف أن إيران هي من يقف وراء نظام بشار الأسد ووراء الميليشيات التي تعيث في دول الخليج إرهابا. فهل القائمة التي أقرها مجلس الوزراء الإماراتي ملزمة لبقية دول الحلف؟ وأين قائمة البحرين والسعودية، خصوصا أن هذه الدول الثلاث شريكة استراتيجية فاعلة في الحلف؟ لِمَ نتردد في فرض مصالحنا وضماناتنا؟ لم نساند تحالفا كهذا، يصنف الإرهاب وفق مصالحه فحسب، ولا نضغط ليكون هذا التحالف عادلا في حربه على الإرهاب؟ فمثلما نرى جميعا أن «داعش» جماعة إرهابية هي في حرب مع البشرية جمعاء، لِمَ لا ترى الولايات المتحدة التي دعت إلى هذا التحالف النظام السوري الذي قتل من البشر عشرات أضعاف ما قتل «داعش» تنظيما إرهابيا؟ لِمَ لا ترى أميركا التنظيمات الأخرى كـ«حزب الله» و«عصائب الحق» و«جيش المهدي» و«14 فبراير» البحرينية و«أنصار بيت المقدس» تنظيمات تطبق عليها ذات العقوبة التي طبقت على «داعش» وتكتفي بعبارة «نتفهّم» حق مصر في الدفاع عن سيناء؟ هل يتساوى هذا الموقف مع فزعتها لقتال تنظيم «داعش»؟ كان اعتيادنا وتأقلمنا مع الانحياز الأميركي السافر لإسرائيل الذي أحرج مصداقيتها، وذلك منذ الفيتو الأول عام 1973 للولايات المتحدة الذي اعترضت فيه على مشروع قرار تقدمت به الهند وإندونيسيا وبنما وبيرو والسودان ويوغسلافيا وغينيا، يؤكد على حق الفلسطينيين، ويطالب بالانسحاب من الأراضي العربية التي احتلتها، حتى سكتنا فاعتدنا توالي «الفيتوات» فوصل عددها اليوم إلى 24 فيتو أميركيا لصالح إسرائيل. أربعون عاما مضت كانت أبرز الصور تناقضا وتنافرا وتباعدا للوجه الأميركي حاملة لواء الديمقراطية تلك التي تصطف فيها أميركا مع إسرائيل وحدها في مواجهة أمم وشعوب الأرض قاطبة سواء في مجلس الأمن، أو في الجمعية العمومية في قضايا انتهاكات حقوقية، فالعالم كله يدين همجية إسرائيل إلا أميركا، ترى في تلك الهمجية حقا مشروعا! كان الانحياز لإسرائيل هو الصورة الأكثر تناقضا مع قيم ومبادئ الديمقراطية التي تحمل الولايات المتحدة لواءها، إلى أن جاءت فكرة الحرب على الإرهاب فاتسعت دائرة التناقضات الأميركية، فأصبحت لا تصطف مع إسرائيل وتدافع عنها في ممارسات تنتهك الحقوق الإنسانية فحسب، إنما أصبحت هي من يمارس تلك الانتهاكات في العراق وأفغانستان، ثم اصطفت مع تنظيمات إرهابية وأنظمة ترعى الإرهاب من أجل مصالحها، ونحن إلى اليوم نصطف معها في تحالف يرعى مصالحها، فهل هو تحالف من طرف واحد؟ كنا شركاءها في حربها تلك إيمانا منا بأن إرهاب تلك التنظيمات ليس موجها ضد الولايات المتحدة فحسب، بل هو موجه ضد البشرية جمعاء، وتغاضينا عن كثير من تناقضات الممارسات الأميركية تغاضي الحليف الذي يشاركها الأولويات حتى امتدت دائرة التناقضات مع المبادئ الديمقراطية حين اصطفت وانحازت للجماعات الدينية الإسلامية السياسية العربية التي هددتنا كشعوب، ورغم انقسام موقف الشعوب العربية حيالها فإننا وجدنا أميركا أم الديمقراطية تصطف مع تلك الجماعات في موقف جعلها خصما لقطاعات كبيرة من هذه الشعوب ويتعارض مع أسس ومبادئ الديمقراطية التي لا تتسق مع نهج وفكر تلك الجماعات، فأميركا تدعي مناصرة لحقوق المرأة، لكنها تسكت عن قمع تلك الجماعات لحقوق المرأة وتتغاضى عنها، تدعي نصرة لمبدأ التعددية والمساواة وترى شره تلك الجماعات على السلطة واستحواذها وتسلطها وإقصاءها للآخرين فتغض الطرف والبصر وتسميها بالمناطق الضبابية الست التي لم تحسمها «بعد» مع الجماعات الدينية، حتى تبرر دعمها لها. ثم جاءت هذه الإدارة بفكرة الاحتواء الإيراني لا الموجهة مع إيران، ودخل الملف النووي في رسم علاقتها ومصلحتها مع إيران في المنطقة فوق أي اعتبار آخر للتّسع دائرة تناقضاتها، فأصبحت ترى إرهابا وتغض الطرف عن إرهاب، جماعات شيعية تقتل بالهوية تسكت عنها وجماعة سنية تدافع عن حقوقها ترى دفاعها إرهابا، ترى موتا دون موت، وعنفا دون عنف، فتهب مسرعة دون انتظار لقرار من الكونغرس حين يموت مئات من الأكراد على يد إرهاب سني، وتتعذر بموافقة الكونغرس رغم موت مئات الآلاف من السوريين على يد إرهاب شيعي! تنادي بالإصلاح وتضغط من أجل تبني النظم الديمقراطية، وحين تأخذ بها دولة خليجية كالبحرين تتجاهلها، رغم أن البحرين هي الدولة الوحيدة ضمن دول مجلس التعاون التي سمحت بتأسيس الأحزاب السياسية وسمحت بتأسيس الاتحادات النوعية والنقابات، وسمحت بحق الإضراب، والدولة الوحيدة العربية التي سمحت بمؤسسات رقابية على السجون وعلى مراكز التوقيف، وسمحت بنشر مؤشرات السوق العمالية على مدار الساعة بشفافية، واتخذت من آليات أخرى ديمقراطية كثيرة لا تقف عند الانتخابات البرلمانات والبلديات فحسب، ومع ذلك تعلق الولايات المتحدة على تلك القفزات النوعية بأنها لا ترى إصلاحات حقيقية ذات مغزى. يشيد العالم كله، أوروبا والدول الأوروبية منفردة، بالدعوة للانتخابات في مملكة البحرين وتصمت هي عن التعليق، لكن أعضاء سفارتها يجوبون المقرات الانتخابية بحجة نشر الوعي الاقتصادي لدى المرشحين، وسفيرهم يتهرب من التعليق على هذه التحركات المشبوهة!! ترتكب الولايات المتحدة الفظائع وجرائم التعذيب في سجونها داخل وخارج أراضيها، في سابقة لم يحدثها أحد من قبلها حين تؤسس وتشرف على سجون أميركية خارج الحدود السيادية الأميركية بأرض تؤجرها وتحتجز المئات فيها دون محاكمات ودون توفير أدنى حقوق وضمانات للمتهمين. وحدها قصة علي آل كحلة القطري يندى لها جبين الإنسانية حين تستعرض وسائل التعذيب التي يتعرض لها هذا المعتقل بلا محاكمة وبلا إدانة لأكثر من 12 عاما، وحين تواجه بهذه الحقائق تقول لسنا بكاملين، لكنها تضغط على مصر وعلى البحرين لأن أخطاء أقل ألف مرة من جرائمها جرت في تلك الدول. لا ترى في عنف الجماعات الدينية في مصر أو البحرين إرهابا، لكنها ترى في «داعش» وحده إرهابا. مَن موّل «القاعدة»؟ ومَن يشتري نفط «داعش»؟ ثم تسارع للمشاركة في مؤتمر لمكافحة تمويل الإرهاب. خارجيتها لا تترك صغيرة ولا كبيرة إلا أحصتها لتعلق عليها، لكنها صمتت عن الإشادة بما قامت به المملكة العربية السعودية في حادثة الأحساء. مزيد من التناقضات والمكاييل المتفاوتة والمعايير المزدوجة، وإن تعدّوا نقائض أميركا لا تحصوها، هكذا أصبحت الدولة التي كانت يوما ما أرضا للأحلام، دولة اكتسبت خلال السنوات الأربع الأخيرة مزيدا من الأعداء ومزيدا من الخصومة. وها هي اليوم تنادينا من جديد لتحالف دولي أعرج لا يخدم سوى مصالحها ولا يحارب سوى ما يهدد أمنها وأمن حلفائها... وها نحن نلبي النداء دون أن نتعلم أن التحالف هو تبادل مصالح لا تقديم مصالح فحسب!!