لست على دراية بالعصر الذي أطلق فيه أجدادنا العرب القدامى مقولتهم لا يرْمي بيوت الناس من كان بيته من زجاج! ولعل في ذكر الزجاج، بوصفه مكوّناً من مواد بناء مستخدمة عند العامة في الزمن الغابر، مبطناً بإشارة خفية إلى وجود بعض المنازل المحصّنة المبنية من صخور ومواد صلبة منيعة! وفي هذه المفارقة تبرز حالة طبقية، تفرز المقتدر من البسطاء! وتمنحه أحقية رمي بيوت الآخرين الزجاجية طالما قد أمن على بيته من رمي مضاد ومضاعف، وأضرار محتملة، نتيجة مقاومة الحجارة بالحجارة! وإن استبعدنا جهل أجدادنا بحقوق الجار على مرّ العصور، إلا عصرنا! وتجاوزنا فوارق البناء، وأبقينا على المشهد بمنازل زجاجية فقط، فإن ترك الحرية لمن شاء ولأي سبب شاء أن يرمي منازل الغير ربما يُحدث رداً بالمثل، وربما أقسى، لا محالة! وبالتالي فإن أولى خسائر الطرفين منازلهما التي عادت لمكونها الأولي: ذرات تراب أساس صناعة الزجاج الذي تحطم! وهنا تكون قد حلّت بالقوم كارثة انتحار ـ اجتماعي ـ جماعي! على هذا المشهد السوداوي أردْت إسدال ستار، وارتأيت أن تصبح المقولة كالآتي: لا ترْمِ بيوت الناس، أياً كانت، بيوت شعر أو من زجاج أو حتى بيوت العنكبوت، وإن كان بيتك حصيناً! أعجب لمضمون بعض موروثنا! لا يتطور تبعاً لتطور الإنسان ومتغيرات الزمان والظروف؟ أوليس من الأسلم أن نخضع بعض نصوص حكمنا وأمثالنا العروبية العربية للبحث والتمحيص والتنقية مما شابها من شوائب عهود خلت؟! ولنفعّل منها ما يتوافق وثوابت ديننا الحنيف كما جاء في القرآن والسنة، وننقد ما يستحق النقد، وننكر العمل بموجبه! أوليس في ديننا كل ما تنادي به منظمات حقوق الإنسان، وأكثر من ذلك وأقدس وأبلغ؟! أما حرم الله علينا دم المسلم وماله وعرضه؟! أما سطر الإسلام أولى وأنصع وثيقة شراكة بين البشر على الأرض؟! حين بيّن الرسول الكريم عليه أفضل الصلوات وأتم التسليم حق الجميع في السلام والعيش الكريم؛ إذ قال الناس شركاء في ثلاث: الماء والكلأ والنار)؟! إن ما نقّح وما صحّ من المفاهيم التراثية المتوارثة يستحق التأمل والعناية والتكريس، وإن أتت من زمن الجاهلية وأقرها الإسلام، كما جاء في حديث عن رسول الله ـ صل اللهم عليه وسلم: إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق! ولنبحث في التراث عما يجمعنا ويضمنا، لا عما يبعث على الفرقة والتلاسن والتنابز وكل أشكال التصدعات! وهو ما لا ينبغي لأمة رسالة وحضارة وفكر! ليتفرغ علماؤها وخبراؤها للبحث العلمي والاختراعات والإبداعات والبناء! ولينقبوا عما يعيدون به مجداً تكاد الأجيال الحاضرة ألا تصدّقه، وقد تهزأ من تفاصيله، وهي حقائق ولكن.. هنا كارثة معرفية يجب ألا نصم عن جلجلتها مسامعنا، ولا أن نغمض عن سهامها الأبصار! لكم أعود، ومن قبلكم نفسي، وأقول مذكراً راجياً: لا يرجم بيوت الناس من كان بيته منْ زجاج مقولة كان يراد بها الزجر في ظاهرها! وتأتي كالنصيحة غير الملزمة! وما أسلمها لو أتت لا ترجموا بيوت الناس من الأساس!!