تداولت ووسائل الإعلام المحلية والخليجية رؤية مدرب البحرين العراقي عدنان حمد حول فقدان المنتخب السعودي لهويته. وهو هنا يتحدث عن شق يسير من الهوية المفقودة. وللمتابع غير الخبير في الشأن الرياضي تستوقفه تلك النظرة لفقدان الهوية ولما هو أبعد من ذلك. لذا دارت في ذهني بعض الأسئلة ولعل أخطرها ماذا فقدنا بفقدان هوية المنتخب السعودي؟ قد يظن البعض أننا لم نفقد شيئاً بخروجنا من الركض خلف جلد منفوخ، ولكن الواقع أننا خرجنا بجلد منفوخ ومليء بسبب تيارات نفخ التجاذب والإبعاد عن الروح الوطنية بدعاوى عدة، والكثير منها لا يمت للواقع بصلة. وقبل أن أخوض فيما فقدنا بفقدان هوية المنتخب حاولت تلمس أبعاد مفردة "الهوية" وتحديد مكوناتها. فالهوية إحدى المفاهيم التي لاقت اهتماماً كبيراً من علماء النفس والاجتماع والانثروبولوجيا والاتصال وغيرهم من المهتمين بالأبحاث المشتركة. فهذا يعني أن المفهوم مركب من عدة مكونات نتيجة العضوية في جماعة ونتيجة لرؤية الذات. فهناك المكون الديموغرافي للهوية والذي يشير إلى زيادة فرص الترابط بين أبناء الحيز المكاني في مقابل من هم خارجه، وتنشأ داخل هذا الحيز ثقافة الجماعة. وهناك مكون الأهداف المشتركة نتيجة ثقافة مصلحة الجماعة، ومن خلالها يتم تحديد أهداف الجماعة وطرق الوصول إليها وفق منظومة من القيم المشتركة والتي تحدد اتجاهات الأفراد نحو الصواب والخطأ والحلال والحرام وغيرها من المتناقضات. وهناك مكون أسلوب الحياة المشترك والذي تقره الجماعة في محيطها المحلي والعالمي الكبير، وهو الأسلوب الذي تقره الجماعة في معالجة القضايا المشتركة مثل كيف تم جمع الخل وأين تم صرفه؟ وهناك مكون السلوك الظاهري والذي يمثل شق التعبير عن ذات الفرد ليعكس الذات الجماعية أو ضدها. وهذه المكونات أفرزت العديد من نماذج الهويات الفردية والجماعية مثل الذات الحامية لصورة الجماعة وهناك الذات الباحثة عن مكانها في الجماعة ومعززات الانتماء. وهناك الذات الرافضة وهناك الذات المتنقلة. جميع هذه الذوات التي كانت في السابق محصورة في إطار جغرافي ضيق أصبحت في مهب رياح العولمة الرقمية. وهذا الذي يجعلنا نتوقف عندما فقدناه مع فقدان هوية منتخبنا. فهناك ذوات بداخل حيزنا الجغرافي استبدلت الذات المحلية بذات متنقلة لتشجع منتخبات عالمية وفرقاً أجنبية. فوسائل الاتصال قربت لنا الفرق الأجنبية وباتت كأنها فرق محلية. وأصبح المشجع مزدوج الهوية في الدول النامية. فهل الحال كذلك في المجتمعات الغربية على الأقل فيما يتعلق بتشجيع أندية أجنبية؟ قد يكون كذلك ولكن في ظني سيكون على نطاق ضيق ووقتي. أما في عالمنا حيث تخذلك البدائل فهجرة المشجعين باتت طويلة. ومن هنا أطرح السؤال التالي على إدارة منتخبنا الوطني: ما هي العناصر المكونة لهوية منتخبنا الوطني يمتلكها المنظمون ؟ وكم من تلك العناصر يمتلكها الجمهور؟ وهل طرح السؤال بهذه الصيغة صحيحاً؟ أم إن هناك صيغة مفقودة تتعلق بالمكونات التفاعلية بين الطرفين ولا يملكها طرف دون الآخر؟ أعتقد أن الصيغ الثلاثة بحاجة إلى طرح يستحق الاهتمام منا. فنحن لم نفقد هوية المنتخب فقط، وإنما فقدنا الكثير من مكونات هويتنا الوطنية، ومنها جلد الذات عند المقارنة بالآخر، والتشكيك في المنجز الوطني، ولعل أخطرها احتقار الذات بالنكتة المحلية التي تكرس السلبية في الإنسان السعودي ذكراً كان أو أنثى. يقول وليام شكسبير " إن العالم من حولنا ونعيش فيه هو مسرح كبير، ولكل رجل أو امرأة هناك دور يلعبه وله وقت دخول وخروج على هذا المسرح. وكل واحد منا عندما يكون دوره على المسرح فهو يلعب أكثر من دور". وأقول طالما أن مسرحنا الكبير هو هذا الوطن فيجب علينا ألا ننسى أن علينا بعض الأدوار الوطنية التي يجب أن نلعبها. وعلى رأي الزميل وليد الفراج المذيع المتألق في دنيا الرياضة بقوله: إلى متى ونحن "نطقطق" على منتخبنا وفرقنا وذلك بعد عودة الروح المعنوية للمنتخب السعودي بعد فوز مستحق على البحرين. ولعلها بداية صناعة تصحيح مسيرة هوية رياضية مفقودة حتى لا نفقد معها مكونات أخرى لهويتنا الوطنية.