جمعتني مائدة العشاء بزملاء المهنة والاهتمام، وريثما تبدأ الاحتفالية أخذنا نناقش السكن وتمويله وما الذي سيحل بقطاع العقار بعد فرض دفعة مقدمة قدرها الثلاثون بالمائة، واكتتاب البنك الأهلي، والقوائم المالية لموبايلي، وتوجهات سعر البترول واحتمال تأثيره على السوق المالية وعلى مستوى الانفاق في الميزانية القادمة. وقطع النقاش المحتدم شاب أوربي أنيق، ألقى التحية وعَرَّفَ باسمه وجلس، فسألناه: أين تَعمل؟ أجاب: «مازيراتي»، فانهالت عليه الأسئلة، أخبرنا أنهم يبيعون سنوياً مئات من هذه السيارة الفخمة! ثم ما لبثت أن بدأت الاحتفالية المهيبة. لا شك أن إهدار الطاقة أصبح سجية لا بد لها من حَلّ، حتى أصبح مألوفاً أن تجد أجهزة تكييف وإنارة تعمل في غرف وقاعات بل وحتى في مبان فارغة أو شبه فارغة ليلاً ونهاراً وشتاءً وصيفاً! وبالمقابل، عندما تذهب لبقية بلدان الدنيا لا سيما أصدقاؤنا في مجموعة العشرين، فتجد أن الاقتصاد في استخدام الطاقة قد غدا طريقة حياة، أما نحن فلم نبرح الكلمة الأولى من السطر الأول بعد؛ نتحدث عن أهمية استخدام المواد العازلة في المباني في حين ما زال التطبيق حِبياً فمُلاك المباني الاستثمارية لا يأبهون كثيراً لهذا الأمر، باعتبار أن تكلفة الكهرباء ليست ضمن اهتماماتهم، وقس على ذلك. هذه السلبية لم تأت عبثاً بل هي أحد نتائج عدم وجود معايير مُلزمة، مما يجعل الأمر عبارة عن قرار شخصي وليس فَرضا لا مناص منه. وأخذاً في الاعتبار عدم وجود تنظيمات توجب الترشيد، فكان الأمر الذي طرحه العديد من المشاركين في اجتماعات الهيئة الاستشارية لبرنامج كفاءة الطاقة قبل نحو عامين: لماذا لا يُرفَع السعر؟ فقد كان النقاش محتدماً بأن الطريق القصير للحدّ من إهدار الطاقة وتقليص وتائر نمو الاستهلاك المحلي يتجسد في رفع سعر بيع المشتقات، وعلى نقيض ذلك فقد كان لفِرَق العمل المتخصصة رأي آخر، يتلخص في أنها ستسلك الطريق الصعب والمتمثل في إطلاق مبادرات متعددة للترشيد. ومع أن رفع السعر هو أقصر الطرق بالفعل، لكنه أكثرها بُعداً عن تحسس أوضاع الشرائح منخفضة الدخل، ولا يأخذ في الاعتبار أن استهلاك الوقود في السيارات الصغيرة ناتج إلى حدٍ بعيد عن عدم توافر بدائل للنقل داخل المدن ومحدوديتها بين المدن، ولذا نلجأ جميعاً لاستخدام سياراتنا الخاصة؛ الغني والفقير والمواطن والوافد. وبالفعل أخذت الحلول تتبلور، وبالأمس نُظِمَت في الرياض احتفالية بمناسبة توقيع مذكرات تفاهم بين الهيئة السعودية للمواصفات والمقاييس ومصنعي السيارات تتعلق بالتزامهم بالمعيار السعودي لكفاءة استخدام الوقود في المركبات الخفيفة الجديدة، وسيصدر المعيار السعودي عن هيئة المواصفات والمقاييس في يناير 2015 ليُعمَل به اعتباراً من يناير 2016. وعند اكتمال تطبيق كافة البرامج في قطاع النقل البري، فيمكن تحقيق وفر يصل إلى (300,000) ثلاثمائة ألف برميل يومياً من البنزين والديزل بحلول عام 2030م، ولذا فعلى مصنعي السيارات تطبيقه والالتزام به في سياراتهم الجديدة التي سيصدرونها للمملكة اعتباراً من ذلك التاريخ. والتفتُ إلى التنفيذي في الشركة المصنعة لسيارات مازيراتي، بعد أن عاد من منصة التوقيع، وسألته: هل سيكون من الصعب عليكم الالتزام بالمعيار السعودي لكفاءة الوقود؟ قال: إنه تحد بالفعل، بالنسبة للسيارات كبيرة المحرك (8 سلندر فما فوق)؟ انتهت الاحتفالية وغادر كبار الضيوف، لكن مائدتنا بقيت عامرة؛ فقد عدنا للحديث عن التمويل العقاري واتفقنا أن لدينا مشكلة بحاجة لحلّ، واحتدم النقاش ثانية حول الحل!