لو طلب من احد بيوت الخبرة إجراء اختبار للمسؤولين عن الإنتاج في محطاتنا العربية لاكتفي بسؤال واحد وهو (لماذا تنتجون وماذا تنتجون ولمن تنتجون؟ وبعد الإجابات ومقارنتها بالواقع سيكون رأيهم للقلة ننصح بتطوير الكفاءة وللغالبية نوصي بالبحث عن وظيفة أخرى في مجال آخر بعيدا كل البعد عن الإنتاج. عندما كنت مهتماً بشراء حقوق بث إنتاج الرسوم المتحركة الموجهة للأطفال وتسويقها للمحطات العربية بعد دوبلاجها للعربية كنت احرص على شراء الإنتاج الياباني الجديد والذي كان يتم على مدار أكثر من عام وينتج بواقع 13 حلقه أو مضاعفاتها (أما لماذا 13 حلقه فلأنه ينتج للعرض الأسبوعي وليس اليومي كما نفعل ولهذا كل 13 حلقه تغطي ثلاثة أشهر) المهم في هذا الإنتاج انه يتم وفق دراسات مسبقة تحدد الأهداف من الإنتاج وتساهم في تلك الدراسات القطاعات التعليمية والرياضية وغيرها فعندما يكون الموضوع عن رياضة من الرياضات فهو بتخطيط مسبق للترويج لهذه الرياضة وتشجيع النشء الجديد على ممارستها وهكذا لبقية الموضوعات كالخيال العلمي وغيرها - هذا عن إنتاج الرسوم المتحركة - أما عندما تشاهد احد أفلام هوليود فإنك ولاشك ستخرج في النهاية بفكرة وهدف سعى الفيلم لإيصالها لك ولهذا تحملها معك لتبرمجها في واقع حياتك وهذا يعني ألا احد ينتج دون أهداف مبنية على دراسات ولهذا دعونا نتساءل هل نقوم بتطبيق هذه القواعد في إنتاجنا؟ بمعنى أدق هل لدينا أهداف نرسمها قبل أن نبدأ بكتابة أي نص نسعى لإنتاجه مبنيا على دراسات أم أن المسألة مرهونة برغبة الكاتب أو المنتج فقط ؟ علينا أن نعترف أننا لا ننتج أعمالنا بناء على دراسات وأهداف ترسم مستقبلاً بل أننا ننتج معتمدين على نجوم فهم يسبقون النص في الاختيار ولهذا نحن ننتج صوراً متكلمة ولكن هل كان لنا مخطط لأن يكون إنتاجنا محققا لبعض الظواهر أو المشاكل للمجتمع من منطلق أن الدراما مرآة للمجتمع فنقول مثلاً أننا في هذا العام في حاجة لان ننتج أعمالاً تتطرق لبعض الظواهر أو الممارسات أو المتغيرات في حياتنا كالتطرف الديني أو انتشار التدخين بين الشباب من الجنسين أو التعصب بجميع إشكاله أو تعاطي المخدرات أو تأثير الإعلام الجديد على حياتنا أو الطلاق أو العزوف عن الزواج أو العنوسه وقس على ذلك الكثير من الموضوعات والتي تتفاوت أهميتها من عام إلى عام ولهذا تكون تلك الدراسات المسبقة محددة لأهميتها ومعيارا لأولوياتنا للإنتاج فنطلب من الكتاب تقديم أفكار لهذه الموضوعات وبعدها نختار الأنسب لتكليفه بالكتابة والأجدر لتنفيذ الإنتاج وبهذا يكون لدينا أهداف لما ننتجه ويكون استثمارنا فيها محققاً لمصالح المجتمع وتكون تلك الأعمال مرآة يرى فيها كل فرد منا نفسه فالأعمال الصادقة تقول لك مالا يمكن لأقرب أصدقائك أن يقوله لك. كم أتمنى أن نخرج من نمطية الإنتاج الكوميدي الذي يعتمد على التهريج كوسيلة للإضحاك فالكوميديا الصادقة موجودة في حياتنا اليومية وتحتاج إلى من ينقلها كما هي دون اللجوء إلى نماذج مشوهه أو حركات غير مبررة كما أن طرحنا لقضايانا اليومية لا يحتاج إلى خيال كاتب وإنما يحتاج إلى رصد لوقائع وتجسيدها ضمن سياق درامي متجانس يجعل ما نراه على الشاشة هو للحقائق التي نعيشها والصور التي تغيب عنا فيكون العمل الدرامي صورة مكتملة تمر أمامنا فترينا صورا لا نراها عن أنفسنا. لهذا على من يقفون وراء إنتاج هذه الأعمال أن يكونو على إدراك كامل بأهمية ما يقدمون وان يضعوا أهداف لإنتاجهم لأن الإنتاج الذي لا يبنى على أهداف هو مضيعه للجهد والمال والاهم من كل ذلك هو أهدار لوقت المشاهد.