قبل عدة أيام كانت البشرية على موعد مع إنجاز طبي غير مسبوق تمثل في ولادة أول طفل في العالم من رحم مزروع لأم سويدية، جرى التبرع لها بهذا الرحم من صديقة للعائلة تبلغ ستين عاما، هذا الحدث في نظري فائق الأهمية لأن هناك بعض الفتيات حرمن من الإنجاب بسبب عدم وجود الرحم كعيب خلقي، أو نتيجة استئصاله كمضاعفات الولادة والأورام وغيرها. لا أدري ماذا جعلني أربط هذا الحدث الهام بحدث هام آخر على المستوى الوطني حدث قبل عقد ونصف تقريبا، عندما جرت أول زراعة لرحم سيدة سعودية من قبل فريق طبي سعودي وانتهت تلك العملية بإزالة الرحم المزروع بعد 99 يوما، لازلت أتذكر حالة النشوة والابتهاج بهذا الحدث التاريخي في وسائل الإعلام بعد العملية، ثم كيف صبت الصحف وكتابها جام غضبهم على الفريق الطبي وتحميلهم المسؤولية للإضرار بسمعة الوطن وغير ذلك من الأوصاف القاسية. في الحقيقة أن ولادة طفل من رحم مزروع يعتبر إنجازا كبيرا، أما ما تم لدينا قبل سنوات فيعتبر تحت إطار التجربة العلمية ولا يعتبر إنجازا، حيث جرى تضخيمه إعلاميا ثم اكتوينا للأسف بنار الفشل الذي أشعرنا بالإحباط عوضا عن سخرية الحاقدين والمتربصين، قد يكون اللاحقون قد استفادوا منا علميا في تجربة زراعة الرحم لا سيما أن هذه التجربة قد نشرت في إحدى المجلات المتخصصة، والعالم المتخصص يستفيد حتما من حالات فشل التجارب كما في حالات النجاح. ولكن في نظري نحن لم نستفد من أخطائنا حتى الآن، وذلك عندما تجد وسائل الإعلام تفرد مساحات وأخبارا كبيرة لأعمال قد تكون روتينية وضمن المنهج التعليمي لطلبة الماجستير والدكتوراه المبتعثين في الخارج، كتقديم ورقة علمية في مؤتمر أو نشر بحث في مجلة متخصصة، أو اكتشاف بروتين معين يكون ضمن خطة البحث والدراسة، ثم تجد الصحف الإليكترونية والورقية في صفحاتها الرئيسية تعنون الخبر «بالإنجاز العالمي» أو «التاريخي»!! وردني من صديق أن هناك استياء في الملحقية الثقافية في بريطانيا من أخبار وصلتهم وتم نشرها عن «إنجازات» علمية لطلبة مبتعثين في المملكة المتحدة جرى تضخيمها والمبالغة فيها، وبدأت إجراءات للتدقيق والبحث في صحة هذه الإنجازات العلمية! في الحقيقة يجب أن نكون حذرين في إطلاق مسمى إنجاز على بعض الأعمال والتجارب الإنسانية وأن نعمل الجانب الأخلاقي في هذا الخصوص، وأن تكون هناك مرجعيات علمية للتدقيق والتحري وتأصيل هذه الأعمال، وفي نفس الوقت يجب أن ندعم ونشجع الابتكار والأفكار الإبداعية بتوازن حذر لا يصيب الباحث والمبتكر بالغرور وجنون العظمة ولا يصيبه ويصيبنا بالإحباط عند فشل التجارب أو عدم مصداقيتها. سيارة غزال 1 كانت «بحثا علميا» كما صرحت به جامعة الملك سعود مؤخرا صنعناها بأيدينا إنجازا فريدا واختراعا لا سابق له، بعض جامعاتنا قفزت بالترتيب العالمي عشرات المراتب وخيل إلينا أن ذلك بجودة مخرجاتها أو إنتاجها العلمي الغزير ثم اكتشفنا بعد ذلك أنها تعاقدت مع باحثين عالميين لديهم إنتاج بحثي نوعي وكمي غزير وضعوا اسم الجامعات السعودية على أوراقهم العلمية! لا شك أن لدينا إنجازات علمية وعملية لمبتعثينا ومبتعثاتنا وموظفي الدولة كل في مجاله، ولكن لابد أن يتم التعريف أولا ما هو الإنجاز ومن يستحق التكريم والإشادة عليه وكيف يستحقه بقواعد ومرجعيات علمية ومؤسسية لا لبس فيها، ثم يأتي بذلك دور الإعلام لتسليط الضوء عليها والإشادة بها.