نسبت جريدة الاقتصادية لرئيس هيئة سوق المال الجديد محمد آل الشيخ تصريحات بمناسبة افتتاح المنتدى الثاني للأوراق المالية في الرياض الأسبوع الماضي، منها «أن حجم السوق المالية السعودي الكبير لا يحتاج إلى سيولة إضافية من المستثمر الأجنبي، بقدر ما نحتاج إلى مساعدة السوق وتنميته وتطويره من خلال زيادة الشفافية وزيادة مستوى حوكمة الشركات والتحليل وتدريب السعوديين، وهذا ما سنركز عليه»، ومنها أن «هناك جهات حكومية عدة تنظر في مسألة استثمار الأجانب المباشر في السوق السعودي، وما زلنا ننتظر كذلك توجهاتهم». ويبدو أن لديه توجها واضحا لتنويع الأوراق المالية من خلال سندات الدين، حيث أورد تقديرات على سبيل المقارنة تفيد بأن «حجم سوق السندات بنحو 3 في المائة من الناتج المحلي للاقتصاد الوطني، في حين أن أسواق السندات توازي حجم الناتج المحلي في دول مجموعة العشرين، مشيرا إلى أنها تصل إلى 50 في المائة في الدول الناشئة». وآمل ألا تعكس هذه التصريحات قناعات متجذرة في فكر هذا الرئيس أو خطوطا عريضة لخطة عمل الهيئة في المرحلة القادمة. لأن مثل هذه القناعات المسبقة ستؤثر سلبا في مستقبل السوق وأساليب التعامل به. فلا أحد يختلف معه في أن سوقنا المالية بحاجة للتطوير والتحديث. كما أن لا أحد يشكو من نقص السيولة، ولا أحد يطالب بالسماح للأجانب بالتداول في سوقنا المالية من أجل السيولة، فالكل يعلم أن عددا من المتداولين في سوقنا يملكون ــ كأفراد ــ سيولة تفوق ميزانيات دول كثيرة. فما يشكو منه المتداولون هو نقص الشفافية وانتهازية السيولة الكبيرة الكامنة في السوق لاقتناص الفرص دون تحملها في المقابل لأية أعباء أو مسؤوليات تجاه السوق أو الاقتصاد الوطني. ومما يشكو منه المتداولون أيضا التذبذب المتطرف الذي يمكن أن يطرأ على أي سهم ليرتطم بالنسب العليا والدنيا المسموح بها عدة مرات في اليوم الواحد دون تدخل من هيئة السوق بدعوى حرية البيع والشراء التي يرفضها حتى من علمونا أن هناك شيئا اسمه سوق مالية حرة. فيا سبحان الله، الحرية مقيدة في كل شيء، ولكنها منفتحة في سوق المال على مصراعيها من غير ضوابط أو قيود. بل الأسوأ من ذلك أن يستيقظ المتداول الصغير صباحا فيجد الشركة التي يستثمر فيها أمواله وقد أوقف التداول بها لأنها كذا وكذا.. فكيف لم يعلم بكذا وكذا قبل أن يحصل ليجد نفسه يستجدي بالمعاريض على أبواب المسؤولين لإعادة الشركة للتداول حتى يسترجع بعض خسائره، في الوقت الذي عرف فيه المستثمر الكبير بالمعلومة مسبقا ووضع رجلا على رجل مبتسما بانتظار نجاح جهود الصغار في إعادة الشركة ليتلاعب بها من جديد. أما بالنسبة للأموال الأجنبية، فإن (الغول) الذي يخوف به المتداولون في السوق السعودية هو (الأموال الساخنة)، فهل يعقل أن التستر على رأس المال الأجنبي شمل كل القطاعات الاقتصادية والتجارية في البلاد وترك سوق المال طوعا لا كرها!؟ ولذلك أرى أن التخوف من دخول رؤوس الأموال الأجنبية هو في حقيقته تخوف من (الشفافية والتطوير)؛ لأن الأموال الأجنبية الساخنة موجودة في السوق فعلا ونلاحظها في تداول الأفراد الذين يديرونها، بل إن كبار المتداولين بأموالهم الخاصة لا يختلفون عن الأجانب في سخونة الأموال بمعنى سرعة التحرك والانتقال بين الأسهم والدول والأسواق. فالتخوف إذا ليس من الأموال الأجنبية، بل من (المؤسساتية) التي تدار بها الأموال الأجنبية ومن حجم الشفافية والضوابط والضمانات المطلوبة لعمل بيوت الاستثمار الأجنبية، وهي أمور يبدو أن الهيئة ليست جاهزة بعد لتوفيرها وتنتظر قرارات «الجهات» التي أشار إليها رئيس هيئة سوق المال لما يترتب عليها من تحولات جذرية في عمل الهيئة ومدى انفتاحها على الأسواق العالمية. وتبقى في الختام مسألة سندات المديونية وتعويل رئيس هيئة سوق المال على التوسع فيها. وهذه مسألة أشد تعقيدا من أن يشار لها إشارة عابرة. فالتمويل بالمديونية وارتفاع حجمها في الدول المتقدمة رغم أنها مسنودة بقطاعات مالية ومصرفية متقدمة، ورغم التحفظات الكثيرة عليها، لا يعني نجاحها في بلادنا، بل إن فرص نجاح سوق كبيرة للسندات هنا ضئيلة لأسباب عديدة، منها الاجتماعي والديني، ومنها ما يتعلق بملكية الدولة. ولذلك، آمل التعجيل بالسماح لرؤوس الأموال الأجنبية بالتداول المؤسسي المباشر في السوق السعودية والاستفادة منها في كسر الاحتكارات والتحالفات في السوق المحلية والمساهمة في تسريع وتطوير الأنظمة والإجراءات وأساليب التعامل، وفوق كل ذلك تحويل الشفافية الكاملة إلى حقيقة واقعة لا انتقائية فيها ولا تستر بدلا من ترديدها في التصريحات كمفردة رنانة مفرغة من معانيها.