انتقلت "الدالوة" من كونها قرية صغيرة وادعة، إلى حدث عالمي تتناقله وكالات الأنباء ومحطات التلفزة المحلية والعربية والعالمية، ولعل أحداث "الدالوة" الأليمة -وقد ذهب ضحيتها عدد من الأبرياء والمصابين- ستعيد بعث الأسئلة الفكرية والاجتماعية، وستقرأ مستويات الخطاب ومستقبل الإنسان بوصفه إنساناً، وليس كائناً مختلفاً أو منتمياً لاتجاه أو مذهب. ولعل أول الأسئلة المهمة في هذا السياق: من أين جاء الإرهابيون؟ ولماذا كانت "الدالوة" هي المقصد والهدف من الجريمة؟ ومن خلال النظر لما مرت به المملكة العربية السعودية في العقد الأخير في محاربتها للإرهاب، فإن الإرهاب بات حالة عالمية، وتنظيماً مشبوهاً لا دين له، وإنما يستخدم الأديان والمذهبيات والأحزاب وسيلة من وسائل تمرير جرائمه ضد الإنسانية وضد تنمية الشعوب وجماليات الحياة. وإذا كنا نتساءل: من أين جاء الإرهابيون؟ فلنا أن نتساءل أيضاً: لماذا تأثر بعض أبناء المملكة بهذا الخطاب الكاره للإنسان والحياة باسم الجهاد؟ ولماذا انطلت عليهم ألاعيب المتلاعبين باستخدام العواطف الدينية؟ هل من الممكن أن نرجع إلى أساليب التربية وطريقة تلقي الدين؟ هل من الممكن أن يكون التاريخ بوصفه فكرة هو المسيطر على عقول أبنائنا المُغرر بهم؟ لماذا لم تستطع الأساليب التربوية والعلمية تحفيز الشباب نحو الإنتاج المعرفي والإبداعي وتحقيق الشخصية المتوازنة في صناعة الحياة؟ لماذا يرجع الشباب دائماً للماضي ويرونه حالة من حالات الحقيقة المطلقة التي يريدونها تتنزل على واقعنا المعاصر اليوم؟ لماذا نجد الشباب الغربي قادراً على توجيه مساراته الدراسية والمعرفية، وقادراً على صناعة شركاته الخاصة العابرة للقارات، بينما بعض الشباب لدينا يرجع القهقرى ولا يجد أي حافز للتقدم سوى الإحباط والإنكسار؟ هل لنا أن نعيد المراجعة في "المقررات" -على سبيل المثال- كيف نستطيع تقديم العقائد والأديان بوصفها معرفة وليس بوصفها خطاباً قد يستخدمه اللاواعي ضد الآخر المختلف عنه؟ وتكون وسيلة من وسائل السلم الاجتماعي والوطني؟. ربما جاء الإرهابيون من سياق التاريخ أو إفرازات ما، لكننا بحاجة لأن نعرف كيف نقرأ التاريخ، فالتاريخ صنعته ظروف سياسية واجتماعية، ولا تحمل جانب القداسة، بل الغاية هي التي تبرر الوسيلة، ولذلك فأغلب المحاضن التربوية والتعليمية بحاجة لأن تصحو من رقادها، وتبدأ بتقديم الوعي نحو خطاب صناعة المستقبل، وذلك من خلال تغيير العديد من الرؤى والاستراتيجيات، واحتضان الشباب في مبادرات ثقافية واقتصادية يجدون من خلالها تحقيقاً لذواتهم وتنمية لحبهم الحقيقي للوطن والإنسان. لقد كانت مراسم التشييع والعزاء في ضحايا الأحساء بمثابة رسالة واضحة وصريحة لدفع الكراهية والبغضاء وضرب الإرهاب على وجهه ليرتد ويندحر. لقد كانت تلك الجموع تمثل دلالاتها الحقيقية والرمزية في الوقوف مع الإنسان بوصفه إنساناً وأخاً وصديقاً وليس مخالفاً، وما زيارات الأمير سعود بن نايف أمير المنطقة الشرقية ونائبه السابق الأمير جلوي وصاحب السمو وزير الداخلية، واهتمام ورعاية محافظ الأحساء الأمير بدر بن جلوي وفقهم الله جميعاً إلا للكشف عن المعدن الطيب الناصع للقيادة السعودية بقيادة خادم الحرمين الشريفين -وفقه الله-، وتوضيح رسالة مباشرة أننا نعيش منظومة إنسانية ووطنية واحدة ولا شيء يفرقنا. ولذلك فإن هذا التلاحم الشعبي الكبير الذي رسم رسالته الوطنية الرائعة بحاجة لأن تعيه مؤسساتنا الحكومية والخاصة، وتعيد استراتيجياتها في رسم خطة تنموية شاملة بعيدة عن "الكسل والصمت" الذي انتقده خادم الحرمين الشريفين وفقه الله في وقت قريب مضى، ولذلك فلنا أن نتخذ من رؤيته -رعاه الله- في السؤال والحوار والنقد الذاتي والموضوعي منهجاً ومشروعاً عملياً. باحث في الدراسات الثقافية