سيدة شُلت بعد خبر سماع وفاة عمتها، وأخرى أصابها مس بعد صدمة مماثلة في طريقة نقل الخبر لها.. الإنسان خُلق في كبد وهكذا حال الدنيا حلو ومر، وراحة وكدر والأحداث السيئة والأخبار المفجعة تقع لا محالة إلا أن من رحمة رب العالمين، إنه يطرح السلوى والسكينة في قلب المؤمن ويخفف المصاب عنه ويجبر كسره، والتدقيق في أساليب نقل الأخبار ومراعاة الآخر واجب ديني وإنساني واجتماعي.. فما الآثار والأضرار النفسية المترتبة على سوء التعامل مع المواقف المختلفة، وكيف يمكننا تجنبها؟ ذلك ما سننقله لكم دون أن نفجعكم. كارثة أخوية تتحدث في البداية (أحلام الأكلبي) فتقول: في الحياة أحداث وعبر، والخبر السيئ يوجع صاحبه، وأذكر حدثاً لا ينسى لقريبة لي وقع لها حادث مروري هي وولدها وتوفي على أثره الولد وهي دخلت المستشفى في العناية المركزة ونقلت من المنطقة النائية التي هم فيها للعلاج في المدينة، ولما تعافت بعض الشيء سألت عن ابنها في كل مرة يقال لها إنه بخير وقد ظل في قريتهم لظروف عمله التي لم تسمح له بالسفر إليها، وظل الجميع يواسيها بتلك الطريقة حتى زارتها أخت لها من أمها ومنذ دخلت وهي تناديها باسم ابنها الثاني فقالت لها أنا (أم فلان) لماذا تناديني بالآخر وبكل هدوء ردت لأن البكر مات لتنتكس الحالة الصحية للمرأة بأسباب أختها التي أرادت أن تختصر على العائلة هم إبلاغ الأم عن ابنها فضرتها وزادت آلامهم وكادت تزيدهم فقيداً آخر. كما أنه مما رسخ في ذهني ولا أنسى أحداثه ما حدث مع صديقة أختي التي اتصل بها زوجها قبل ليلة زواجهما بليلة وهي تصارع مشاعر القلق والتوتر لقرب ليلة العمر وإذ به يخبرها باتصال في منتصف الليل أنه استخار ولا يشعر بارتياح لفكرة الزواج تلك وبالتالي هو مضطر ألا يكمل تفاصيل العرس، ثم استطرد قائلاً: وإن كنت تخشين كلام الناس أحضر وأهلي مراسم الزواج ولكن لن أكمل معك!، نقلت لصديقتها الحدث المؤلم وخلدت للنوم لتنتهي حياتها ويجدها الأهل في الصباح جثة هامدة، فارقت الحياة متأثرة بانعدام ضمير ذاك الرجل وسوء تقديره وإنسانيته، وتظل النهايات تصدم حتى من ليسوا قريبين منها. تضحكون وترقصون ويروي (أبو خالد) حادثة أليمة يقول: قد تُولّد طريقة نقل الفاجعة بشكل خاطئ فاجعة أخرى وهذا ما حدث في بيت أقرباء لي حين توفي ولد لهم قبل عرس أخته بأسبوع، وبُلغت بالخبر خالتها فدخلت على العروس وبعض الفتيات من القريبات في غرفة كانت تقيس فيها ثوب العرس وهي تقفز على السرير بمرح وضحك لتدخل تلك القريبة المصدومة وترمي الخبر بلا تمهيد فقالت: تضحكون وترقصون وأخوك قد توفي، صرخت العروس صرخة قوية رافضة التصديق وتمتمت بالنفي ثم سقطت من فوق السرير ليصيبها تفاصيل غريبة شخصت على أنها انهيار عصبي وصدمة، بل لأنها صارت تتحدث كما الطفل الرضيع قال الراقين أنها مع السقطة ضرت رضيعاً من أهل الأرض - بسم الله - فتأذت من أذاه ومع تكثيف القراءة تعافت تدريجياً. ومفاد الكلام أن النساء بالذات لأنهن عاطفيات فلا بد من مراعاة نقل الأخبار لهن وأسلوب التعامل معهن. أما (الهنوف المنيف) فتقول: جاء في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لله ما أخذ ولله ما أعطى وكل عنده بأجل مسمى» لماذا دائماً من ينقل لك الخبر لا يكون أهلاً لهذا الأمر، فهم قد يتسببون بحالة وفاة أخرى أو عاهة مستديمة أو إصابة مؤقتة كما حدث لي، ولكم كامل قصتي: ذلك اليوم الذي لا يمكن نسيانه وبقي ثابتاً في ذاكرتي توفيت عمتي - رحمها الله- وانتقلت إلى عالم أفضل إن شاء الله، نقل لي الخبر بطريقة سيئة جداً وقد كنت نائمة وإذ بأختي توقظني من نومي بطريقة مفجعة (قومي أنتِ للحين نايمة وعمتي فلانة توفيت)، لا أعلم ماذا حدث لي لكن لم أعد أحس بقدمي وكأنه قد أصابني «شلل» وبقيت على هذا الحال أسبوعاً لم استطع المشي ولكن حمداً لله أن هذه الحالة لم تدم، وكان ذلك بسبب نقل خبر من أشخاص ليسوا مخولين لذلك، والحمد لله أني لن أصب بسكتة أو عاهة مستديمة. أهلاً لنقل الخبر من ينقل الخبر يفترض أن يكون أهلاً لنقل الخبر ويعرف الطريقة الأنسب في الإبلاغ، بل وكيف يتعامل ويتصرف فيما لو تأثر الشخص المنقول له الخبر. كما ينصح (بدر أبا العلا) يقول: من الضروري الحرص على مشاعر الناس وحماية أمنهم النفسي والعاطفي، ويحرص على اختيار من يناط ويؤكل لهم مسؤولية البلاغات الحرجة ونقلها لذوي المصابين بالحوادث المرورية والوفيات، ويكون الموظفون ذوي تعليم وخبرة وحنكة ولديهم قدرة على استيعاب الطرف الآخر مستقبل المكالمة والحوار، ولا ننسى تمرير الخبر بطرق متدرجة يستوعبها الكبير والصغير، وأن يكون التوقيت مناسباً في أحسن الحالات نهاراً وفي لحظة يكون محاطاً بأهله حتى لا نصبح في آخر الأمر نواجه أكثر من فاجعة!، ولا ننسى ولا نتناسى عمليات الهلال الأحمر وأمن الطرق، وكثر هم الموجودون من غير المؤهلين للتعامل الإيجابي مع المواقف المحزنة عبر الأثير وقت معرفة عنوان وهاتف المتوفى أو المصاب بحادث في المستشفيات، فيقومون بنقل الخبر باتصال بطرق فيها سفه وتخلف تربوي وسلوكي وإنساني! والمصيبة في بعض البلاغات الأمنية الصادرة من قبل أقسام الشرطة، حيث يكثر فيها سوء التصرف وجلافة التعامل عند نقل الخبر!، وأريحية التعاطي مع ذوي الموقوف سواء كان موقوفاً على ذمة قضيه أم متهماً ولم يعرض على القضاء، خاصة وقت يكون الجانب فيه حدث أو فتاة تم تسليمهم من قبل الهيئة!. برأيي لا بد من دورات وتأهيل للعاملين بالقطاعات كافة التي تتعامل مع البلاغات، لتأهيل منسوبيها للتصرف بطرق تربوية واجتماعية متخصصة، كذلك سرية أمن المعلومات المدونة لديهم حتى لا يكون الموضوع مسلسلاً ودراما يلت ويعجن فيها بعض ضعفاء النفوس قليلي الخبرة في البلاغات المفجعة للناس تلك القلة في أقسام البلاغات والطوارئ المؤتمنين على أعراض الناس وما يتعرضون له من مشاكل سواء كانت مؤلمة أم خلاف ذلك. تضيف (هند ع): الأطباء وما أدراك ما الأطباء ولا نعمم ولكن عدداً كبيراً منهم ربما لأنهم ألفوا صور المرضى والراحلين والمتوجعين؛ مات إحساسهم ولم يعودوا يراعون مشاعر الآخرين، فعندما كانت أمي طريحة الفراش ونحن في حالة انهيار وبكاء، والحزن يخيم علينا ننتظر أن يخرج الطبيب بعد الكشف عليها ليسكن أوجاعنا ويطمئننا وإذ بنا نفاجأ به بعد الخروج من غرفتها يقول: خلاص خلاص ما فيه أمل أدعوا لها وليتكم تخرجوها كي تموت بين أحبابها، هذه التي كاد ينزع قلوبنا عليها عاشت بمشيئة الله بعد كلماته تلك أكثر من سبعة أشهر وتحسنت، وقدرة الله فوق كل شيء، ولكن السؤال: المواقف اللاإنسانية التي لا تليق بشخص متعلم مثقف مثل دكتور لماذا تحصل؟، أو لماذا لا يتولى مهمة التحدث مع أهل المريض مختص أو يعطى الأطباء دورات عن مهارات التعامل مع ذوي المرضى بالذات الحالات الحرجة. حالة هستيرية من البكاء أما (نواف طارق) فقال: موقف حصل لأحد الأقارب إذ كان والده يعاني من وعكة صحية لا تدعو للقلق، وكان هذا الابن في طريقه من جدة إلى الطائف وقبل خروجه اتصل بوالده واطمأن عليه والفرحة لا تسعه بلقاء والده، وبعد وقت قصير اتصل عليه أحد أصدقائه يعزيه في والده، وحدثت له حالة هستيرية من البكاء والذهول وهو يقود السيارة وتعرض لحادث بحمد الله لم ينتج عنه إصابات خطيرة، وهذا يؤكد أن على ناقل الخبر أن يفكر في طريقة نقله ويفكر في ردة الفعل التي ربما تؤدي إلى فاجعة أخرى. فالإنسان حياته أفراح وأحزان وللأسف أن الكثير منا يبالغ في الفرح والحزن وهذا من الأخطاء الكبيرة التي نقع فيها، فتجد الكثير يفتقر في تلك اللحظة إلى التركيز في كيفية التبليغ، فلا يحرص على عدم المفاجأة عند توصيل الخبر كي لا تكون له آثار سلبية، ومتلقي الخبر لا بد أن يتحلى بقوة إيمان ورضا بقضاء الله وحكمه. وعن الزمن الجميل تحكي (أم بندر) تقول: كنا أكثر حكمة في التعامل مع معظم الأمور رغم أننا بلا تعليم، كان الواحد منا قبل أن ينقل الخبر يذكر صاحب المصيبة بربه وأجر الصبر والقبول بما كتب الله، وكنا نقدم الفأل الحسن ونقتدي بخلق الرسول وأوامر الدين، حتى لو تذكرون سنة من السنين شاع المرض ومات الناس ومع هذا سميت سنة الرحمة، وهذا من خلق المؤمن لا يجزع ولا يعترض على ما كتب رب العالمين له. وعلى الجميع أن يبعد عن ترويع الآخرين حتى في الدين أمر صاحب البيت إن عاد من سفر ألا يدخل بيته دون أن يبلغهم كي لا يفاجئهم أو يفجعهم، والله نسأل أن يحفظ لنا قواتنا ولا يفجعنا في غالينا أبداً. عن عالم الشباب تحدث (يزيد) يقول: نحن الشباب بالذات لا نراعي ردود الأفعال كما لو كان لدى الواحد منا برود بالمشاعر، متى ما قرر الشاب قول الشيء خرج لو كان يفزع الآخرين ولو قد يجلط الشخص المقابل، لا يعرفون في التمهيد وتخفيف وقع الحدث في النفس، كنت في جماعة من الأصدقاء عندما دخل أحدهم يتبسم وبكل برود قال: زوروا فلان في المستشفى كان معنا أحدهم توفي له أخ من فترة ليست بالبعيدة ومازال يفجع لأي خبر مفاجئ وفي ذات الوقت مريض ضغط وهذه المفاجأة أفزعته وأنهار في دقائق معدودة. وبمنظور اختصاصي تحدث (د. خالد بن سليم الحربي) رئيس قسم العلوم الاجتماعية بكلية الآداب والفنون بجامعة حائل فقال: الموضوع المطروح بهذا التحقيق من الموضوعات المهمة جداً والمعقدة في الوقت ذاته، فالخبر السيئ في العصر الحالي (عصر العولمة وعصر التكنولوجيا وعصر وسائل التواصل الاجتماعي) أصبح أكثر سرعة ويمكن أن ينقل الخبر بأكثر من وسيلة. فلم تعد الأسرة وحدها أو الأقرباء وحدهم هم من يمتلكون القدرة على نقل هذه الأخبار. أما من يفترض بهم نقل تلك الأخبار (في غياب قنوات التواصل الاجتماعي المتعددة) فإن الأسلوب الأمثل من وجهة نظرنا لنقل الأخبار السلبية بوجه عام يجب أن يراعى فيه الحالة النفسية والوقت المناسب لنقل هذا الخبر مع مراعاة التمهيد والتدرج في نقله حتى نتلافى الصدمات النفسية العنيفة التي ربما تفجع من يتلقى ذلك الخبر. وثقافة المجتمع السعودي تتقبل في الأساس الخبر السيئ المرتبط بالقضاء والقدر، التي ترتبط بصورة أساسية بالثقافة الدينية المترسخة في النسيج الاجتماعي السعودي. ولنا أن نشير هنا إلى طريقة نقل الخبر السيئ ووسيلة نقله، فهناك وسيلة مباشرة ووسيلة غير مباشرة، يترتب عليها تفاوت في الأثر النفسي والاجتماعي المنعكس على المتلقي ذلك الخبر، فتلقي الخبر السيئ عبر الهاتف الجوال أو رسالة نصية وهو في وضع قيادة سيارة قد ينتج عنه انعكاسات انفعالية للمتلقي قد تتسبب له في حادث مروري لا قدر الله، قد يحوله إلى ضحية لهذا الخبر قد ينتج عنها وفاته أو إصابته بإصابة خطيرة أو ما يمكن أن ينتج هذا الحادث لباقي أفراد الأسرة. ومن ثم فإن سلبية نقل الخبر السيئ قد يترتب عليها منظومة من الآثار الاجتماعية والنفسية التي تنعكس على الفرد والمجتمع معاً. رسالة إلى الصحف ومن وجهة نظرنا فإننا نوجه رسالة إلى الصحف عموماً والإلكترونية على وجه الخصوص بعدم التسابق للحصول على سبق صحفي في حادث وفاة مروع أو جريمة مفجعة، والتأني في نشرها ومراعاة الجوانب الاجتماعية والنفسية للمتلقين وأسر ضحايا تلك الحوادث والجرائم، وذلك من منطلق المسؤولية الاجتماعية المرتبطة بالمهنة. كما نوجه رسالة لأفراد المجتمع الذين يضعون الهشتاقات على تويتر التي تتضمن أخباراً مفجعة أو مروعة على تلك الصفحات، بأن يراعوا الأوضاع الاجتماعية والنفسية لأسر من يتسابقون للتشهير بحوادثهم. إضاءة شرعية مع (أ. أمل البريدي) تخصص دراسات إسلامية تقول: ترويع المسلم ظلم ظاهر وهو حرام، بل إن حرمته شديدة، قال المناوي في فيض القدير ترويع المسلم حرام شديد التحريم، وقد عده أهل العلم من الكبائر، كما عده كذلك الشيخ محمد بن عبدالوهاب في كتابه من الكبائر، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أشار إلى أخيه بحديدة فإن الملائكة تلعنه حتى يدعه وإن كان أخاه لأبيه وأمه) مسلم، وقال النووي وفيه تأكيد حرمة المسلم والنهي الشديد عن ترويعه وتخويفه والتعرض له بما قد يؤذيه؛ ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: (وإن كان أخيه لأبيه وأمه) وهذه مبالغة في إيضاح عموم النهي في كل أحد، وقال عليه الصلاة والسلام أيضاً: (لا يحل لمسلم أن يروع مسلماً) صححه الألباني، ومن مراعاة مشاعر المسلم لمشاعر أخيه المسلم البعد عن ترويعه سواء بالقول أم الفعل ولو على سبيل المزاح لخطورة العبث والتلاعب والتساهل بمشاعر الآخرين، والحذر من نقل الأخبار السيئة المفجعة أو اختلاق الأكاذيب والنكات السيئة لإفزاعهم وإدخال السرور على نفسه بعبثه بمشاعر الآخرين، ومثل هذه الأمور تُورث الكثير من الآثار النفسية التي تمتد للمدى البعيد، فكم سمعنا عن أشخاص ما تمالكوا أنفسهم فسقطوا على الأرض إما إغماء أو إصابة أو موت الفجاءة أو التأثر بصدمة عصبية أو أزمة قلبية أو غيبوبة أو ارتفاع بضغط الدم. ومن الآثار المترتبة على ترويع المسلم لأخيه فقدان المحبة والود وقد لا تبقى إلا روح الضغينة والحقد يعيش عليها الشيطان ويفرخ ويدفع بسببها المسلمين للانتقام من بعضهم بمواقف مماثلة. وقد شهدت خبر فاجعة لمرأة كانت في كامل زينتها حاضرة لإحدى المناسبات العائلية لتأتي من تفجعها بخبر زواج زوجها من أخرى، وفي تلك الليلة سقطت مغمى عليها ودخلت للعناية المركزة لتتوفى بعدها بشهرين ووفاتها فاجعة لأطفالها وأمها وأبيها الذين كانوا تحت رعايتها. الأخبار السيئة تحتاج إلى حيلة وطريقة ووقت وهدوء واتزان نفسي للمُخبر والمخبر، وأن ينتقي صاحب الخبر أفضل الألفاظ وأرقها وأقربها إلى النفس ليدخل إلى قلب الآخر بعد تهدئته، ويكون متزناً مستوعباً لكيفية الحديث والتصرف بعد الخبر، مع اللجوء إلى الله قبل قول الأخبار السيئة والدعاء بأن ينزل الله على صاحب المصيبة الرضا والسكينة والطمأنينة فالله سلوى كل مشتكٍ وملجأ كل محزون.