اعتقال 4 أشخاص في بريطانيا قبل أيام للتحقيق معهم بشبهة التحضير لعمل إرهابي، وما تزامن معه من رفع لدرجة التأهب الأمني، يعكس حجم القلق في الكثير من الدول الغربية من ظاهرة «الجهاديين الغربيين» الذين توجهوا بالآلاف (بعض التقديرات تضع العدد في حدود 3 آلاف) للقتال في سوريا والعراق، وانخرطت أعداد كبيرة منهم في صفوف «داعش» ودولتها الإسلامية المزعومة. فهناك مخاوف جدية من عودة هؤلاء محملين بفكر التطرف وثقافة قطع الرؤوس، واحتمال قيامهم بعمليات إرهابية في بلدانهم. لذلك اتخذت السلطات في أكثر من بلد غربي إجراءات، أو سنت قوانين للتعامل مع العائدين منهم، ومحاسبتهم على قتالهم في دول أجنبية أو انخراطهم في منظمات إرهابية. لكن القوانين لا تقدم إجابات عن الأسئلة الأعمق التي تثير قلقا أكبر في أوساط الدوائر المعنية، وأهمها ما الذي يجذب شبابا من الغرب إلى تنظيمات مثل «داعش»؟ وكيف نجح فكر التطرف وحركات الإرهاب في اختراق عقول هؤلاء الشباب، رغم كل الإجراءات والقوانين والأموال التي أنفقت منذ إعلان الحرب على الإرهاب؟ بل هل أصبحت هذه الحرب شريانا مغذيا للتطرف والإرهاب، وسلاحا أساسيا في ترسانة منظريه وشيوخه في خطابهم لاستقطاب أجيال جديدة؟ الغرب قد يجد بعض الإجابات لكن ليس كلها بالتأكيد، في تجارب وخبرات الدول العربية والإسلامية التي عانت من الإرهاب، ومن انخراط شبابها في تنظيماته بعد تأثرهم بخطاب شيوخ التطرف ومنظريه. فظروف شباب نشأوا في الغرب، وتعلموا في مدارسه، ونهلوا من ثقافته، تختلف في كثير من جوانبها عن ظروف شباب من دول عربية وإسلامية أغواهم فكر التطرف أو جذبتهم منظمات الإرهاب. صحيح أن النسبة الغالبة من الشباب الغربي الذين انضموا لـ«داعش» أو لـ«القاعدة» والتنظيمات المتفرعة عنها هم من أبناء المهاجرين من دول عربية وإسلامية، إلا أنهم نتاج الثقافة الغربية لأنهم في كثير من الأحيان من الجيل الثاني أو الثالث من أبناء المهاجرين، ولدوا وترعرعوا في الغرب، ودرسوا من مناهجه. «داعش» قد يكون طور وسائل دعائية فعالة أكثر تقدما من وسائل «القاعدة»، وهو بالتأكيد يوظف وسائل التواصل الاجتماعي مثل «تويتر» و«فيسبوك»، ويستخدم الإنترنت والـ«يوتيوب» بفعالية شديدة، لكن هذه الأمور وحدها لا تفسر لماذا غادر هؤلاء الشباب بلدانهم وتركوا عائلاتهم ليخاطروا بحياتهم في ميادين القتال في سوريا أو العراق، أو لماذا جذبهم فكر التطرف. الحقيقة أن هناك جيلا ضائعا من الشباب الناقم من أوضاعه وعلى مجتمعاته، وكثير من هؤلاء يصبح هدفا لحركات الإرهاب والتطرف ووقودا لها، وعرضة للتأثر بأشرطتها الدعائية. بعض هؤلاء يعاني من أزمة هوية وإحساس بعدم الانتماء وبالتهميش، وربما يشعر بأنه عرضة للعنصرية. هناك أيضا من هو ناقم على مجتمعاته الغربية، ويشعر بالغضب تحت تأثير الأخبار المحبطة المتلاحقة من أوطان الآباء والأجداد، ومناظر القتل والدمار في الحروب، سواء في أفغانستان والصومال أو في العراق وسوريا وفلسطين، التي يوظفها شيوخ التطرف ومنظرو حركات الإرهاب في خطبهم وأشرطتهم الدعائية، لترسيخ فكرة أن الغرب يمارس الظلم والقهر على المسلمين ويدمر البلاد الإسلامية. بعض آخر ربما تستهويه روح المغامرة وفكرة حمل السلاح، أو تجذبه دعايات «داعش» عن «الدولة الإسلامية» التي تتحدى الهيمنة الغربية وتقاتل ضد جبروتها. هذا لا يعني عدم وجود بعض الشباب الذي يتشرب من تلقاء نفسه بفكر التطرف لشعوره «بغربة روحية» في ظل تراجع أهمية الدين عموما في المجتمعات الغربية. مثل هؤلاء يبحثون عن تنظيمات مثل «داعش» و«القاعدة» ويستهويهم خطابها عن إنشاء دولة إسلامية «حقيقية»، فيستجيبون لدعوتها بالانضمام إلى صفوفها تلبية «للواجب الديني». التحدي الكبير أمام الغرب ليس في القضاء على «داعش»، بل في فهم الأسباب التي تجعل بعض الشباب المسلم عرضة للسقوط في شباك التطرف، فمن دون فهم الأسباب لا يمكن معالجة الظاهرة. هناك دروس مستفادة من تجارب دول أخرى في هذا المضمار، وهناك دروس من أخطاء ارتكبتها الدول الغربية التي آوت في السابق أعدادا من المتطرفين الإسلاميين وتدفع اليوم ثمن السماح لمثل هؤلاء باستغلال أجواء الحرية للترويج لخطابهم المتطرف. فالحرب على الإرهاب لا بد أن تكون دولية الطابع؛ لأن هذا المرض ليس محدودا برقعة جغرافية، وأفكاره كما أثبتت التجارب عابرة للحدود، خصوصا في عصر الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي التي تطرح بدورها تحديا آخر يحتاج دراسة واعية ومعالجة حكيمة. تبقى مسألتان تحتاجان إلى شجاعة سياسية في الاعتراف بهما والتعامل معهما؛ الأولى معالجة أسباب الغبن سياسيا واجتماعيا، والثانية تمعن الغرب في سياسات خارجية نتجت عنها مفارخ وبؤر للإرهاب. من دون كل ذلك ستبقى الجهود قاصرة عن فهم الأسباب، ناهيك عن معالجة حقيقية لظاهرة التحاق آلاف الشباب الغربيين بتنظيم مثل «داعش».