عادة ما يدفعنا مشهد سينمائي للتفكير فيما لا يستهوينا ويعترينا مضطرين سؤالُ: ما الحل؟ ويمثل ذلك الجزء الأصعب من التراجيديا. كارل ماركس يرى أن البشر لا يطرحون سوى الأسئلة التي يقدرون على حلها لكن التراجيديا تعمل في جهة معاكسة فهي في شكلها الأنقى سؤال بلا جواب، ويعتقد المفكر والناقد الأدبي الإنجليزي تيري إيغلتون أن سؤال التراجيديا يحرمنا عامدا من العزاء عن إيجاد الحل. فيلم "ديتاشمنت" أو"منفصل" يسأل دون أن يسأل: من يدري؟ ومن يهتم؟ ما إذا كنت تتعثر في حياتك المرتبكة، ما إذا كنت تحتاج للمواساة الكل منهمك في هذا المصنع الكبير المسمى بالمدينة. "لم أشعر قط بعمق أنني مكتمل وفي نفس الوقت منفصل عن نفسي وحاضر في هذا العالم" بهذه الكلمات للروائي والشاعر الفرنسي "ألبير كامو" التي استلهم منها عنوانه يبدأ الفيلم استهلالا قاتما يعلن فيه انحسار مساحة الإنسان في هذا العصر الحالي الذي اتسم بثقافة الاستهلاك، والتوحش الرأسمالي، والاغتراب، والفردانية، وجفاف العلاقات الاجتماعية. الفيلم من إخراج توني كاي وتأليف كارل لوند ويجمع طاقم التمثيل كلا من: أدريان برودي وجيمس كان ولويس ليو وبليث دانر وكريستينا هندريكس. تدور أحداث الفيلم حول "هنري" يقوم بدوره الممثل "برودي" وهو معلم بديل يضيق بالوحدة وبذكرياته المسعورة عن ماضيه المعذب.. يتسكع في طرقات نصف مهجورة يحادث نفسه. قال لها ذات مرة: " أنا شاب وعجوز تم بيعي وشرائي آلاف المرات". وجد هنري نفسه أمام طلاب على مستوى متدنٍ من التعليم والأخلاق ويظهر هنري وعيا وحسا إنسانيا في التعامل مع الطلاب وحتى خارج المدرسة يتعرض هنري لمواقف تعكس هذا الحس. ويختتم الفيلم بقصيدة يلقيها "هنري" أمام الطلاب تعبر عن حالة الخراب من حوله: "خلال يوم صامت.. في خريف هذا العام ..عندما حلقت السحب منخفضة في السماء.. كنت أعبر بمفردي على ظهر الحصان من خلال طريق كئيب في البلد.. وخلال الطريق وجدت نفسي كالظلام عندما يأتي المساء.. على ضوء منزل آشور.. أعرف الآن كيف كان الأمر.. مع أول ظهور للمبنى.. انتابني شعور بالكآبة داخل روحي.. نظرت للمشهد البسيط.. نظرت للجدران الكئيبة وللجذوع البيضاء للأشجار المتحللة مع الاكتئاب التام للروح كان هناك.. التثلج.. الغرق". الفيلم بمثابة ناقوس خطر لأجيال وقعت أسيرة لتشابكات الواقع وهوس الاستهلاك والعنف الاجتماعي. يذكر أن برودي قدم أكثر من 16 عملا وفاز بجائزة الأوسكار لأفضل ممثل عن فيلم"THE PIANEST" كما حصل بنفس الدور على جائزة سيزر2002 كأفضل ممثل.