قيل: «السفر ميزان الأخلاق» وسئل منهم «هل تعرف فلانا..؟ فيقول: نعم، فيُسأل: هل سافرت معه..؟!» كناية عن أن أخلاق المرء لا تتجلى إلا في السفر..! سواء كان سفرا عابرا أو إقامة فارضة..! إن هناك عشرات من الألوف رحَّلٌ في الصيف والشتاء.., بين طالب علم, وراغب في ازدياد, وبين قاصد علاج، وطامح في ترويح,.. كما هناك من يسافر للعمل، والتكسب, ومنهم للمشاركة بنوعها, ونقل الخبرات في اختصاصها..! لا يسافر المرء منفردا إلا ليصل إلى مقصد من أهل, أو جماعة, أو مقر عمل، أو علم,.. وغالبا ما يرافق المرء أحدا.., بدءا بمن معه في الطريق ولا يعرفه.., وانتهاء إلى من يرافقه مهمة الطريق.. فكيف هي أخلاق المسافرين..؟!! وقد قال عليه الصلاة والسلام في إحدى سفراته وهو صائم: «ذهب المفطرون بأجر الصائمين» إذ أفطر منهم احتذاء بالسنة الشريفة، غير أنهم قاموا على خدمة الصائمين.. فتجلت أريحيتهم, وتكاتفهم, وتواضعهم، ونبلهم وهم يخدمون الصائمين ويعدون لهم الإفطار.. ونحوه. وكذلك عرف في النهج النبوي العظيم أن العابد العامل, أكثر حظاً في الأجر من العابد غير العامل.. فالسفر نوع من العمل.., إذ في كل حالاته يتطلب الجهد، والتصرف، وحمل مهمة الفرد عن نفسه، أو عن رفقاء دربه.., وإن كان في أيسره للترويح..! فكيف هي مسالك المسافرين..؟ مع أنفسهم فلا يظلمونها,.. ومع رفقائهم فلا يثقلون عليهم..؟ ثمة ما يجعل من السفر مشقة, فكيف في المشقات تتبدى الأخلاق في سلوك الأفراد..؟! تحديدا إن كانوا يمثلون مجتمعهم, وبيئتهم, وأسرهم, وأنفسهم, ووطنهم..؟!! وكثيرا ما يصلنا عن المسافرين من مواقف قليلها يبهج، وكثيرها يجرح.. تحديدا بين من يسافرون للتعلم, وهم في مراحل من العمر مبكرة, فيقال لهم: كونوا رسل جمال لأوطانكم, دون أن تغفلوا نفوسكم.., فالمرء يبدأ بنفسه, إذ حين يكون رسول أخلاق، فأول من يوسم بها نفسه, وتنال من معه، ومن حوله منها رياحينها، وأشذيتها.., أو العكس.. والأولى أن يعلم الطالب المسافر أنه قبل أن يكون لنفسه فيعلمها، ويكسبها خبرات معرفية مختصة, ومطورة، فإنه رسول لأمته، عن الأخلاق التي يتحلى بها، وتتبدى في مسالكه, تلك التي تخرج من ضيق إطاره الذاتي، إلى سعة أسوار بلاده.., ومن ثم لأوسع حياض أمته.. فكيف هم المسافرون لمقاصد اكتساب الخبرات، والتعلم مع هذا العدد المتزايد..؟!! كيف هم هؤلاء المسافرون في أخلاقهم..؟!, المرافقون لشتى أنماط البشر, ومفاهيمهم، وقيمهم..؟ على أن الأخلاق عصبة من السلوك يتعارف على أسسها كل البشر.., ويتحلى بها من ترتقي نفسه إلى مراتب التنزه، والتطهر, والمثالية.. ويحرص على غرسها في الصغار أولئك الأخلاقيون الذين لا تزال الحياة تضمهم، ويتحركون فوق ثرى أرضها.