لفت انتباهي في الآونة الأخيرة الكثير من التغيرات على مظاهر حب الوطن أو بمعنى آخر الوطنية، فكثيرا ما كنت ألحظ تلك العبارات التي تكتب على خلفيات السيارات وكثرة المواقع التي تبيع الصور لخادم الحرمين الشريفين لهذا الأب العظيم وبات الكثير يتفنن في إيجاد عبارة تميز سيارته، ولا يغيب عني ذكر البروشات الصغيرة التي تعلق على الصدر وقد تفنن صانعها في الصور والعبارات فقد وصلتني هدية من هذا النوع وقد كانت مبهرة جدا، وغزت الأسواق مجسمات للعلم بجميع الأحجام وميداليات لتعليق المفاتيح و.. و.. الخ. وهنا طرحت سؤالا على ذاتي: هل هذا هو مفهوم الوطنية خاصة أن الدولة أقرت إجازة في اليوم الوطني؟، هل تصور الكثير أن ذلك يعكس الجانب الوطني؟ إذن ما معنى الوطنية؟ هل معنى ذلك أن يكون للفرد وطن أو انتماء، وبذلك يكتفى بأن يكون له مكان يعيش به فقط؟ أين كان هذا المكان دون مراعاة لحقوق هذا المكان؟ أم أن الهدف هو البحث عن معنى للانتماء، انتماء لكامل الوجود الفكري والنفسي والوجداني، وبما أن للحياة غريزة فطرية يحتاجها كل إنسان وعادة ما يُنسب الإنسان لأبيه وأسرته ومن ثم لوطنه وعقيدته. لا تزال مجموعة من المفاهيم في ساحتنا الثقافية والاجتماعية شائكة وغير منضبطة في وعي أفراد المجتمع ومؤسساته، مما يسبب خللاً في الممارسات السلوكية التي هي اليوم أحوج ما تكون إلى دور رائد وشجاع من العلماء والمفكرين ليحسموا ما أشكل فيها ومن ثم يسهمون في تشكيل وعي المجتمع فيما يخدم علاقة الإنسان بنفسه وبيئته وعالمه. ومن هنا تأتي دراسة مفهوم الوطنية أو المواطنة كأحد المفاهيم المهمة والمحتاجة إلى رؤية متزنة وحكيمة تنفي ما يتعلق بها من خلل (إفراطاً وتفريطاً) ولتؤكد من خلالها على المشاركة الفاعلة والواعية خدمة للمجتمع وتنميته. إن الوطنية ذات شمولية في كل شيء بمعنى أنها عملية فكرية وممارسة عملية والمواطنة (مفاعلة) أي مشاركة واندماج، وبهذا يكتمل ويتكامل معنى التجريد بالتجسيد. وقد يكون الإنسان مواطناً بحكم جنسيته أو مكان ولادته أو غيرها من الأسباب لكن التساؤل: هل لديه (وطنية) تجاه المكان الذي يعيش فيه؟ هل لديه انتماء وحب وعطاء؟، ذلك هو المعنى الذي نحن بصدد دراسته وتجسيده. أشار عدد من الباحثين الى أن مفهوم الوطنية أو المواطنة اصطلاح حديث، إلا أن المعنى الذي تستهدفه الوطنية قد تناولته من قبل أفكار الفلاسفة والمفكرين الاجتماعيين، ويذكر العلواني أن الاهتمام بهذا المصطلح قد نشأ مع ظهور الدولة الحديثة وحدودها الجغرافية والسياسية، ولفظ (مواطن) تعبير لم يظهر إلا بعد الثورة الفرنسية سنة (1789)م أما قبلها فالناس ملل وشعوب لا يعتبر التراب إلا تبعاً لشيء من ذلك وسيلة من وسائل الارتباط ولكن الحاجة الآن باتت أكثر من ذي قبل بحكم اتساع الرقع السياسية والكثافة العددية للبشر، فكان من الطبيعي أن يكون لنا في رسولنا الكريم أسوة حسنة وخاصة أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان أول من وضع المعنى الحقيقي لمفهوم المواطنة المسؤولة والمحدودة بحدود وضعها على جنبات المدينة المنورة كعلامات تقع مسؤولية من أخل بداخلها تحت دائرة حكم الإسلام ومرجعيته، ويوضح ذلك دستور المدينة (صحيفة المدينة التي تعد مرجعية دستورية لسكان المدينة النبوية). وتعرض بنود صحيفة المدينة ( 47 بنداً) مبادئ مهمة لفكرة المواطنة، حيث نصت على تكوين مفهوم الوطنية/ المواطنة واحترام حقوقه وواجباته لكل من سكن المدينة مسلماً كان أو غير مسلم. وتتعدد مفاهيم الوطنية وتعريفاتها فمنها ما يحمل معنى عاطفياً وانتماءً وجدانياً للمكان الذي ألفه الإنسان ومنها ما يحمل معنى فكرياً ومنها ما يؤسس لمعنى قانوني يعبر عن واجبات المواطن وحقوقه تجاه وطنه، ويعرض الزيد لعدد من التعريفات منها أن الوطنية تعني (العاطفة التي تعبر عن ولاء الإنسان لبلده). والوطنية عند آخرين تعني (تقديس الوطن وتقديمه في الحب والكره بل والقتال من أجله) والوطنية في معناها القانوني الحديث تعني (انتماء الإنسان إلى دولة معينة يحمل جنسيتها ويدين بالولاء لها). وتعرِّف الموسوعة العربية العالمية الوطنية بأنها (تعبير قومي يعني حب الشخص وإخلاصه لوطنه) ويستخلص الحسان تعريفاً للمواطنة بأنها عبارة عن مجموع من الحقوق والواجبات يتمتع ويلتزم بها في الوقت ذاته كل طرف من أطراف هذه المنظومة وفي الموسوعة السياسية المواطنة هي (صفة المواطن الذي يتمتع بالحقوق ويلتزم بالواجبات التي يفرضها عليه انتماؤه إلى الوطن). في النهاية لا بد أن نخلص الى أن مفهوم الوطنية ترابط لعدة أطراف لهم حقوق وعليهم واجبات وقبل كل ذلك لا بد أن ندرك أن الدافع لكل ذلك هو الحب ثم الحب ثم الحب ثم الحب لفكر وتراب وأجزاء هذا الوطن الذي يمثله الوالد الرحيم خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله حفظه الله وبس. مهتمة بالشأن الاجتماعي