×
محافظة المنطقة الشرقية

استحداث «إدارة» للمسؤولية الإجتماعية بمعهد الإدارة العامة

صورة الخبر

بعد الحادثة المؤسفة، التي وقعت في الأحساء الأسبوع الماضي، بات الجميع يتكلم عن الطائفية. وهذا أمر صحي، ومن الضروري أن يتم التعامل مع هذه الظاهرة بشكل حازم ومسؤول، بعد أن كانت محض أداة سياسية، توظفها التنظيمات والدول في المنطقة، لأغراض سياسية متنوعة. ما لا يُنتبه إليه عادة، أن موضوع الطائفية يتم تناوله بسهولة وتسرع، كما لو أنه مسألة واضحة ومشكلة معروفة ومفهومة، وليست بحاجة إلى تفكير عميق، وهذا أمر غير صحيح، فهي ظاهرة معقدة جداً، تختلف تمظهراتها وتشكلاتها من بلد لآخر، ومن وقت لآخر. وهناك أسباب عدة تدفع إلى تناول موضوع الطائفية بسهولة وتعجّل. أول هذه الأسباب يعود إلى نظرة متأثرة بالخطاب الاستشراقي العنصري اتجاه العرب والإسلام، وهذه النظرة الجوهرانية ترى الطائفية باعتبارها ظاهرة أبدية، موجودة منذ زمن بداية التاريخ الإسلامي، وأن هذا الصراع لا نهاية له ولا حل له، ومن ثم لا حاجة إلى درسه، ولا إلى فهمه والتفكير فيه. أما السبب الآخر فيعود إلى الحركات النهضوية بكل تشكلاتها، التي تعاملت مع الظاهرة الطائفية بأنها واحدة من أعراض الاستعمار، أو من أعراض ضعف الدولة القَطْرية. هذا الكلام صحيح، فالسياسة الاستعمارية-البريطانية والفرنسية- لعبت دوراً كبيراً في استحثاث الهويات الطائفية، وتجنيدها لتفتيت الحركات الوطنية والقومية والإسلامية المقاومة. وصحيح أيضاً أن ضعف الدول يسهم في تغذية الطائفية وتعاظمها. لكن المغالطة التي وقعت بها هذه الحركات، هي أنها استنتجت من هذه الأمور أن هذه الظاهرة طارئة، وإلى زوال، وأنها لا بد من أن تنتهي بانتهاء الاستعمار أو بإصلاح الدولة القَطْرية، ومن هنا لم يتكلفوا التفكير كثيراً بها ودرسها بشكل معمق وكبير. أما السبب الثالث فيأتي من الخطاب الليبرالي، وبعض ألوان الخطاب اليساري قديماً، والذين رأوا في هذه الظاهرة بأنها من مخلفات الماضي. وأنها مثلها مثل كل المؤسسات التراثية والتقليدية ستتبخر بمجرد وصولنا إلى الحداثة. وما استمرارها وبقاؤها إلا لأننا لم نحسن التخلص من الماضي، ولم نستطع الوصول إلى الحداثة. ومن هنا أيضاً لا نجد حاجة إلى درسها؛ لأننا يجب أن ننشغل بدرس كيف الوصول إليها. أخيراً، وأهم الأسباب، هو أن الدول العربية لا تولي دعم مراكز الدراسات ولا البحث العلمي أهمية كبرى، وتعتمد في معظمها على الاستشارات الأجنبية التي لا تملك المعرفة ولا الخبرة ولا تراكم التجارب لتقديم المشورة. هذا إضافة إلى أن مقاربة النظام العربي الرسمي للموضوع تتمثل بالتعامل معه كما لو أنه خصومة، فتتم معالجته بمبادرات الحوار. الحوار مهم وضروري، لكنه لا يمس قلب الظاهرة ولا يوفر لها الفهم الكافي والضروري للتعامل معها. كل هذه الأسباب انتهت إلى عدم إيلاء الموضوع أي أهمية. فلا يوجد مركز دراسات عربي واحد متخصص بموضوع الطائفية. صحيح أن هناك مراكز أبحاث أولت هذا الموضوع بعض الأهمية، فمركز دراسات الوحدة نشر دراسات حول هذا الموضوع، وقبل أشهر عدة عقد المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات ندوة جمعت باحثين عرباً؛ لتباحث هذا الموضوع في الأردن. لكن هذه الجهود ليست دائمة، ومن ثم لا يجد الباحث العربي بيئة توفر له القدرة والموارد الضرورية لتقديم الدراسات حول هذا الموضوع المهم. في الأكاديميات الغربية هناك الكثير جداً من الكتاب والأبحاث والدراسات التي تناولت هذا الموضوع، هذه المادة الثرية لم تنبع من فراغ، فوراءها دعم حكومي ومؤسساتي ضخم، توفر للباحثين في مجال العلوم الإنسانية المال والموارد الضرورية؛ لتمكنهم من إنجاز مهمتهم على أكمل وجه. الباحثون العرب لا يحتاجون إلى أن يتعلموا لغة، ولديهم القدرة على فهم مناطقهم بشكل أكبر وأعمق مما يقدمه غيرهم. ما ينقصهم هو هذه البيئة الحاضنة. إن علاقة الحكومات العربية بالعلوم الإنسانية مكسوّة بطابع من عدم الفهم العميق، فدائماً ما تقدم هذه العلوم -أي علوم الاجتماع والسياسة والتاريخ والفلسفة والأدب- باعتبارها علوماً غير مفيدة. ومعنى (الفائدة) هنا، أنها لا تفيد سوق العمل، لكن هذه المقاربة ليست دقيقة، فالعلم أصلاً يطلب ذاته، وهذا ما يدفع العالم إلى الإبداع في مجاله، فهو يحبه ومنبهر به. أما النقطة الثانية، فإن كل دولة وكل حكومة تتعامل مع جوانب الإنسان كافة، ومن ثم هي تحتاج إلى المعرفة والفهم الكافيين، اللذين يجعلان من سياساتها وتدخلاتها في النسيج الاجتماعي منتجة، وبالوقت نفسه لا تؤثر في البيئات المحلية وخصوصياتها، هذا النوع من المعرفة تقدمه هذه العلوم. إن تأسيس مركز لدرس الطائفية يمثل خطوة ضرورية، وجزءاً رئيساً نحو التعامل مع هذه الظاهرة، التي باتت عاملاً أساسياً في الحروب الأهلية والاقتتال، وجزءاً لا يتجزأ من علامات انهيار الدولة وتفككها. مثل هذا المركز لن يقدم حلولاً سحرية، لكنه سيضمن تفادي الحلول الكارثية، ومثل هذا المركز لن يغير الدنيا في ليلة وضحاها، لكنه سيمنح رؤية موثقة ودقيقة لكيفية التحوّل نحو ضحى أكثر أمناً وعدلاً، وحرية لجميع أقطار الأمة العربية.