منذ إعلان الوحدة في اليمن بجزأيه الشمالي والجنوبي في عام 1990، لم يتوقف مسلسل الصراع والخلافات السياسية في اليمن، الذي بلغ ذروته في عام 1994 بالحرب الأهلية الدامية بين علي عبد الله صالح والقيادات الجنوبية التي وقعت معه اتفاق الوحدة ثم تراجعت وحاولت الانفصال مجددا. لم يجرِ العمل بتأنٍ على الوحدة السياسية بين نظامين مختلفين سياسيا واقتصاديا، فكانت الوحدة بينهما بمثابة عملية هروب إلى الأمام إزاء مشكلات داخلية، وهذا ينطبق في ذلك الوقت على الجنوب أكثر من الشمال؛ فبعد صراع السلطة الدامي بالدبابات في شوارع عدن في 1986 وسيطرة جناح معين من الحزب الاشتراكي، كانت الوحدة بمثابة بوليصة تأمين للبقاء في السلطة، خصوصا أن الاتحاد السوفياتي السابق لم تعد لديه القدرة على الدعم والتمويل، وفي الشمال كانت المسألة فرصة سياسية يجب ألا تضيع. كانت المسألة بمثابة وضع طلاء جميل هلل له الناس على منزل متشقق أساساته ضعيفة، فحدث الانهيار في 4 سنوات أيضا بسبب السلطة، وتبدلت التحالفات، وأصبح أصدقاء وشركاء الأمس، وهم الحزب الاشتراكي وقياداته، أعداء اليوم، وحدث تحالف جديد بين صالح وتيار الإصلاح، استخدمت فيه جماعات متشددة في حرب لإخضاع القيادة الجنوبية المتمردة استخدمت فيها كل الأسلحة بما فيها صواريخ «سكود»، وانتصر صالح واستمرت الوحدة. لكن كما جرت الوحدة بسرعة من دون وضع أساسات قوية، لم توضع أساسات قوية لاستمرارها بعد حرب 1994، وإشعار الكل بأن الجميع منتصرون، لذلك بقي الشعور بالظلم أو الغبن سواء كان ذلك صحيحا أم خطأ، يخرج بين فترة وأخرى، وظهر أخيرا بقوة في السنوات الأخيرة بعد انتفاضة الشعب اليمني في 2011، وظهر بعدها الحراك الجنوبي مع الفراغ السياسي الذي حدث. أيضا شهدت السنوات الخمس السابقة على أحدث انتفاضة صنعاء في 2011، نحو ثلاث حروب بين حكومة علي عبد الله صالح وحركة الحوثيين، حصدت مئات القتلى، إضافة إلى خسائر مادية فادحة. واليوم يبدو أن أعداء الأمس أصبحوا حلفاء اليوم، والهدف هو أيضا السلطة، وهو ما وضع الرئيس السابق واثنين من القيادات الحوثية تحت طائلة عقوبات دولية وأميركية تشمل حظر السفر وتجميد الأموال. لقد استبشر الجميع خيرا بعد المبادرة الخليجية التي سعت إلى تأمين عملية انتقال سلمي منظم للسلطة يمنع الانجراف إلى الفوضى والانهيار في اليمن بعد الاحتجاجات الشعبية المطالبة برحيل صالح. وجاء نائب الرئيس ليقود هذه العملية برعاية إقليمية ودولية، لكن يبدو أنه مثل حال الوحدة في 1990، جاء الطلاء جميلا بينما البناء متصدع ومتشقق، والأساسات لا تساعد على بقاء البناية طويلا، وكان طبيعيا أن يصبح اليمن ساحة مفتوحة لقوى خارجية تتدخل في مصيره وتحاول توجيهه في اتجاه معين. أصل الأزمة في اليمن يعود إلى تراكمات طويلة من الممارسات السلبية السياسية وصراعات مصالح فرقت بدلا من أن توحد، ولم تسع إلى معالجة جدية لمواطن الخلل، وأهملت المشكلة الأكبر التي من دونها لا أمل في شيء، وهي التنمية، ولن يحدث تقدم في هذا الملف إلا بتعاون ودعم إقليمي، وهذا الدعم يحتاج أولا إلى استقرار سياسي، وسياسيين يستطيعون أن يتجاوزوا مصالحهم الضيقة أو ثاراتهم الشخصية.